الجمعة، ٢٩ أغسطس ٢٠٠٨

مــع نفســـي ..!!

ظلت كلمات الرجل تتردد في أذني لفترة طويلة ..ولم أستطع منع نفسي من البوح بمكنون الصدر للصديق الذي كان يرافقني تلك الجولة في أواسط المدينة ..
بــداية القصــة كانت هذه المــرة على كرسي مختلف ..عندما قررنا -ذلك الصديق وأنا - أن نستقلّ احدى سيارات الأجــرة لايصالنا لمسافة قصيرة ..وساعدتني رغبتنا المشتركة في التزام الصمت لهذه المسافة القصيرة على الانصات لما كان يستمع إليه السائق..- وهو بالطبع من أتباع طريقة التلقين ..الذين يحبون أخــذ خلاصــة مجهود "المشايخ" من بحث وتنقيب ..دون أن يكلف نفسه بعضا من عناء البحث والتمحيص..أو حتى التفكير فيما يعرض عليه-
المهــم كان " الشيخ " يتحدث عن الصــلاة وأهميتها في حيــاة الفرد المؤمن .. ورغم اتفاقنا على المبــدأ الذي يتناوله ..إلا أنني لم أستطع إخفــاء ذلك الامتعاض الذي بدا على وجهي عندمــا شرح يتحدث عن السبب الذي قد يدعوك أخي المستمع إلى اتخاذ القرار بالالتزام بالصلاة..
" عايز ربنا يكرمك ..صلّي..عايز بركــة في الرزق ..صلّــي ..عايز فلوس ..صلي............."

وماذا إذا كانت هــذه الأمــور لا تجــول في بالي هذه الفترة ....
مــاذا إذا كان الزهــد - أو حتى الاكتئاب- قد اتخذ سبيلا إلى النفــس حاليا..
إذن -وحســب ما جاء به شيخنا الجليل - لا حــاجــة لنا إلى صلاة أو عمــل...........!!
وقادني طول التفكير ..والأرق الذي انتابني إلى ملاحظــة ما لم يجل بخاطري ..
واكتشفت أن ربّ العبــاد -الذي هو أعلم بحالهم وبما تُكــن صدورهم- قــد وعــد الذين يتخذون طريقه بما لاعين رأت ..ولا أذن سمعت ..ولا خطر على بال بشــر .. مقــابل ماذا..!؟؟
مقــابل أن يسلموا وجوههم إليه خالصــة ..وأن يقدمــوا فروض الولاء والطــاعة ..وهــو ما هــو أهل له..وهــو المستحق لــه..
لكن "الله" عــز وجــل علم أن عبــاده -الذين خلقهم- لا يفعلون شيئا إلا بشيء..
فهــو وإن كــان لا شريك له في الملك.. ولا حــاجة له بهم.. وإنــما تلك العبــادة "إقــرار بشيء قائم بالفعــل ..وعمــل بما قد تم منذ الأزل"
ألا وهــو وحدانيــة المبدع ..وتفــرده بالملكــوت الذي نحن جــزء منــه ..
لكننا لسنــا ملائكة..فهم -الملائكة- " لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" ..أمــا نحــن فقــد خلق الله لدينا الحاجة .. وتستقر داخل النفس
وهــذه الحــاجة إذا لم يتم ضبطهــا والتحكم فيها ..صارت هي القائد الذي يسير بالمــرء .. و تعســاً لمن تقــوده نفســه ...
فلا يمنعها عن الوصول لمبتغاها ..بحــرام ..أو تذلل للخلق ..أو امتهان لكرامة ..
كمن تقــوده بطنــه.. أينما حلّ الطعام تجده أول الواصلين ..فليس في ذلك مال حرام ..وإنما وضاعــة وخســة وضعــة بين الخلائق
أما في جلستنا فيسوقنا الحديث إلى منعرج آخــر ..نستطيع من خلاله فهم بعض منا يدور في أروقة النفوس من حولنا ..والتي ربطت إخلاصهــا وتقديم شيء من الحب -ليس أكثر- لوطنــه والمحيط الذي يضمــمه بما آل إليه حاله ..والمصير الغامض الذي يكتنفه في الأيام المقبلة
صحيح أننا قد تبين لنا طبيعة النفس البشرية العــامــة ..لكننا اتفقنا منذ كانت " الكلمــة" أنـه لا مجــال للمضي قدمــا خلف..
"ثقـــــافـــــة النفــــــــــس الخالــصــــــة"

الأربعاء، ٦ أغسطس ٢٠٠٨

لعبــــة التــوازنات ..!!

بات في حكم المؤكــد أنه يستعصي علينا إقامة التوازن المطلوب في أي من أمورنا الحياتية ..فمن يعيش حياةً " بوهيمية " لا يُلقي بالاً لأي من المصاعب التي تزخر بها حياته..وآخــر سخــر نفســه للعمل وصار كالعبد له ليل نهار بلا كلل ولا ملل ..بحجج كأن في ذلك تحقيق للذات ..وأن هذا الزمن غير مأمون العواقب ويتطلب كــدّا وجهدا مضاعفا ..وهنا تظهــر على السطح أهمية خلق جو من التوازن بين كل ما اعتدنا القيام به أو حتى جــد في معيشتنا ..بالعــودة إلى بــداية المسألة وبالنظر والتأمل في أشيــاء تمر بعقلنا دون أن تستوقفه للحظات.. لوجدنا أنه لا يمكن وصف شيء في هذا الكون إلا بالرجوع إلى ضده ..فالليل لا يكون ليلا إلا إذا قيس بالنهــار..وأظن أن لحظات السعــادة القصــوى لا تكون محســوسة سوى بمقارنتها بكــم المواقف العصيبة التي نعايشها ..وكما ورد عن بني اسرائيل أنهم قالوا " لَنْ نَصْبـِـرَ عَلى طَعَــام ٍوَاحِــدٍ" مع أنه -كما جاء في العديد من التفاسير- من طعام اهل الجنــة ..وبعيدا عن التطرّق إلى ما عُــرف عن بني اسرائيل من صلافة ونكران ..إلا أن المحور الآخــر يقودنا إلى طبيعة بشرية تميل إلى عــدم التقيــد والثبات على أمر بعينه بفعله على الدوام ..لكن ذات النفس تحتاج إلى مجهود جبار لإجبارها على تغيير الحالة التي تعودت عليها ..فكم منا يرى أن ما يقوم به لا معنى لــه ..ولكنــه يستصعب تغيير الحالة النفسية التي ترضى بالبديل المناسب..!!وحتى في التدين فالجماعة "الشكليون" الذين يرون التقرب لله في مجرد اطلاق اللحى وتقصير الثوب ..وتكرار الحركات في مواعيد معينة ..وأن هذا هو السبيل الوحيد للوصول إلى الرضا المطلق والكامل من المولى عز وجــل..فتجدهم أقل ما يكون من خشوع في صلواتهم مع مواظبتهم فيها ..كونها لا تمثل أكثر من تكرار لحركات لا معنى روحي له..في حين ترى "الصوفية" يجدون أن سمو الروح هو المفتاح للوصول إلى الغايات ..ويصل غلاتهم إلى القول بأنه قد يوجد من تسمو روحه إلى مدى لا يحتاج فيه إلى عمل ..لأنه وصل إلى منزلة خاصة عند الإله على شأنه..وغاب عن أصحاب كلا الطريقين أن غاية ما يحتاجون إليه هو تحقيق التوازن المطلوب ..بأن تؤدى الحركات التي وردت "الصلاة " في أوقاتها ..ولكن بأن تكون الروح في حالة من التأهب والخشوع ..وبذلك يكون الوصول السليم -كما أحسب - إلى سمو الأعمال وتقبلها ..ولا أجــد ما أختم به جلستي هذه على "الكرسي " اليوم ســوى التمثل بما قال معاوية بن أبي سفيان عن سر تفوقه في الحكم :بيني وبين الناس شعرة لا تنقطع ؛ إذا شدوا أرخيت ، وإذا أرخوا شددت ....

الجمعة، ٢٥ يوليو ٢٠٠٨

رؤى حكومات ..ورؤية الوطـــــن

تتداخل لدينا العديـد من المعاني حتى نسلّم بعد ذلك أنها أصبحت تشكل مفهوما واحــدا ورؤية واحــدة ..
ومن أبرز ما يمكن الحديث عنه في هذا المحور "معنى الوطــن" ..!!
فتختلف الصــورة التي تتكون لدى كل منا لدى حديثه عن الوطن ..أو إذا جــاء ذكر ما يمس هذا الوطن أمامه..
ومن هنا لابد لنا من فك الاشتباك الذي يحدث عندنا لدى التطرق لأي أمــر يخص هذا الموضوع ..
ولا بد كذلك من التفرقة بين "مفاهيم" تتشكل فيما بينها ..وتترابط ..مكونــة نسيجا متداخلاً..لكن لا يجب الخلط بين تكوين كل منها ..وطبيعته .
وبعيدا عن الإطالة فإن هذه المحاور التي نتحدث عنها هنا هي : الحكــومــة - الدولــة - الوطن

فالأولى معروفة لدى الجميع وهي -وإن اختلفت أسس قيامها ونشأتها " اشتراكية كانت أو ديموقراطية ..الخ" - تعتبر نفسها المسؤول الأول والأخير عن حياة الفرد ورفاهيته ..وتوفير سبل العيش له ..وغالباً لا تحدث أي من هذه الوعــود إما لكونها مجرد شعارات دعائية ..أو لصعوبة تحقيقها في ظل الظروف المواتية للبلاد ..ولكن تظل الحكــومة هي العقبة التي يراها الناس أمام رخائهم ..ولكنها في الوقت نفسه الجهــة المحايدة التي تحميهم من أنفسهم ..فهم يبغضونها في قرارة أنفسهم لكنهم يعلمون أنهم لا يستطيعون الاستغناء عنها ..
فلولا وجودها لسُهــل عليهم النيل من بعضهم البعض بلا رادع ..ولا وازع ..ولأصبح من الصعب تطبيق القوانين التي تظل مجرد حبر على ورق ما لم تتكفل هذه الحكومة بالالتزام بالسير وفق ما جاء فيها ..
وربما كان هذا ما يدعو الناس للصبر على ما يرونه أذى من حكوماتهم ..خوفا من الفوضى التي قد تحدث في ظل عدم وجودها ..
أو لعل السبب الأبرز أنه قد نشــأ على أن يخشاها ..ويبغضها ولا يستطيع الاستغناء عنها في ذات الوقت
وقد تتعاقب على الفرد منّـا العديد من الحكومات وتختلف أشكالها ..ومناهجها ..وغالبا من نشاهد كبار السن وهم يقارنون بين مختلف الحكومات التي شهدوها..


أما الدولــة فزاوية الرؤية فيها أوسع قليلا ..فهي تختلف عن الحكومة في أنها تمثل النظام الذي تسير عليه البلاد ..فمن دولة الفراعنة إلى البطالمة ..وفي العصور الاسلامية شهدنا دولا مثل الأموية والعباسية والعثمانية والمماليك ..وانتهى بنا الأمر في دولة "العسكر "..
فأصبحت مصر دولة عسكرية ..وحماية الدولة لا تكــون من خطــر أعــداء البلاد ..حتى وإن تم تصويرهم إعلاميا كذلك .."فهؤلاء يختص بمجابهتهم الجيش "..
أما "أمن الدولة " فهو من اختصاص من يحمــون النظام القائم والحالي ..وغالبا ما يتم تصوير أن أمن النظام وقيامه هو من مصلحة البلاد عموما ..ونسي معظم هؤلاء أن الأنظمة توالت ..واندثرت وبقي ما هو أكبر ..وأبقى ...!!
هذين المحورين يهتم بأخبارهما والمتغيرات التي تجدّ عليهما ..القاطنين في البلاد ..
أو الذين تتكرر زياراتهم ..بحيث لا يعتبر غيابهم دائما
ولذا وجب التفرقة بينهما وبين المحور الثالث ..والأهــم
"الوطــن".. ولا يمثل هذا الوطن الخريطة التي نراها في كتب الأطلس ..أو العلم الذي نرفعه في المباريات ..أو جواز السفر الذي نستخدمه للتنقل عبر البلاد..
إن وجــود الوطن لا يحتاج لحيز يضمه ..لأن شعــور المواطنة أبلغ من أن يتمكن المرء من الحديث عنه..
فالفرد قد يغضب من توجهات حكومته ..أو يشتكي النظام القائم ..لكن أحدا لا يستطيع أن يعيش بلا وطن ..
وتملك "مصــر" موروثا خــاصا في هذا الشأن ..فقد تعتبر من أندر البلاد التي لا تملك المواطنة فيها شروطا عرقية أو دينية أو مذهبية ..
ولن يتسع المجال للحديث عمّن احتضنتهم حتى بات تاريخهم مصريا خالصا من "كليوباترا" حاكمةً..إلى "بيرم التونسي" شاعراً..مرورا بمحمد علي مجددا ..ومؤسسا لعصر آخــر من البلاد..
كل هذا الحديث جاء عندما تذكرت أنني قرأت خبرا مفاده ان عالمنا الطبيب والجراح العالمي "مجدي يعقوب" أنشأ مركزا للجراحة السريعة في القلب ..لكنه لم ينشئ ذلك المركز في "قلب " البلاد ..ولا عاصمتها ..لكنه وضع أساسه في أقاصيها ..في مدينة "أسوان "
والتي لا يمت لها بصلة ما ..سوى أنه ينتمي لوطن يحتضنها ..

إن النقطــة ليست في اختيار مدينة معينة ..
ولكن بعد النظر الذي يؤمن بأن الوطن ليس مجرد عاصمة ..ومبانٍ شاهقة ..وادارة مركزية
ولو نظــر هذا العالم إلى الوراء ..وعاش على ذكريات صاحبت بداية طموحاته ..
والتي اقتربت من أن تُغتال في مهدها .
لم يكن ليلتفت إلى إلينا البتة
وليس وحــده من العلماء مَن واجــه المصاعب ..والمتاعب في ظل "بيروقراطية" حكومية عريقة ..وعتيدة
فالقصــة تكررت عند "زويل" الذي أبى أن يتسلم جائزته إلا على وقع موسيقى
تخط سطور أسطورة مصرية جديدة..
ما فعله الدكتور "يعقوب" ..يدل أنه لا يتذكر سوى "مصريته" الأبديــة.
واتضح أن هذا الجراح الذي عالج مئات "القلوب" ..يعيش في وسط قلبه " وطــن"..
واتضح أكثر اننا كلما ابتعدت رؤيتنا عن" المحورين" الأوليين ..زاد قربنا أكثر نحن أيضا ..
من الوطن

الأربعاء، ٢٥ يونيو ٢٠٠٨

من العموم ..إلى الخصوص..!!

بات مصطلح "الخصخصة"محوراً لأكثر الأحاديث التي تدور في الجلسات المصرية في الوقت الراهن.وغالبا ما يتوافق مع ترقبٌ لماهو أسوأ حالاً من الوضع القائم .ومزيدا مما يستشري في جسد البلاد من "تضخم" و"بطالة" و"غلاء" و.."فســـــاد"
بالطبع لست أهلا لتحليل الوضع الاقتصادي -سواء الاشتراكي منه أو الرأسمالي-من ناحية مدى اتساقــه مع السياسة الداخلية ..لكن رأياً بسيطاً تكون لديّ عن مدى تفاعل الشخصية المصرية مع هذا الوضع .فالواجب عدم إغفال ما لهذه الشخصية من أثر بالغ ..وأنه لايجوز أخذ القوالب الجامدة ومحاولة تطويع تلك الشخصية عليها ..ولعل هذا ما أدى إلى "ضعف أداء" التجربة الاشتراكية المصرية عن مثيلاتها ..وتهاويها بسرعة عجيبة أمام معاول الانفتاح والرأسمالية ..
والغريب أن تطبيق سياسة الرأسمالية أيضا صاحبته نفس العشوائية التي أنهكت السياسات السابقة ..فلا تخطيط واضح المعالم ..ولا دراسة مسبقة لمتطلبات ..ومقومات تلك الشخصية التي لانملُّ تطرقا لها ..
فماذا كان الناتج..؟؟!
لنعد بالأمر إلى بدايته ....
على مدار السنوات العشرين الأخيرة صاحبت تلك "الخصخصة" الاقتصادية ..خصخصة معنوية ونفسية ..فبات الاهتمام الخاص أعلى من العام ..وذلك على عكس التجربة التي خاضتها الأجيال السابقة.فأنت قد تجد من ذاقوا الأمرّين في تلك العهود التي عُرف عنها استخدام القوة التي ربما وصلت إلى حد الغشم في بعض الأحيان..ولكنهم كانوا أول المعارضين لتنحّي من عذبهم ..بل وأول الباكين على رحيله ..
بالطبع ليس لأنهم سوف يفتقدون أيام العذاب تلك ..ولكن لأنهم كانوا يرون في مصير البلد لونا قاتما ..ذابت كل الجراح محملة بآلامها أمام المصلحة العامة ..
وهذا يبين ما للسياسة الاقتصادية والمنهج المتبع من تأثيره على مختلف النواحي الحياتية ..
والعجيب أو ما يمكن وصفه بأنه "المضحك المبكي "..أنك ترى المرء يرتشي او يسلب أو يستخدم نفوذه في فساد ما ..لكنــه سرعان ما يسب ويلعن حظه العاثر الذي وضعه في بلد ..بنيتها التحتية منهارة ..ومبانيها آيلة أيضا ..ومرافقها شبه متآكلة ..
ولا أدري لماذا سرح خيالي أثناء مشاهدتي لشخص تدل هيئته على أنه موظف-كما في مشهد سينمائي- يقف في طابور العيش ..يتأفف من الوضع والجو الخانق ..وينتقد القيام بمحاباة البعض دونا عن الآخرين..
لكنه -نفس الموظف في مشهد آخر- على مكتبه ينهر المواطن الذي أعياه سؤالا وأقلق ساعة راحته ..ولعل ذلك المواطن ليس إلا طبيبا أوقعه حظه العاثرفي زمان ومكان غير مناسبين ..لكن مشهدا آخر يأخذنا إلى عيادة هذا الطبيب وهو يمارس ألاعيبه السحرية لايهام المريض الذي أمامه بأن الأشعة يجب أن تؤخذ من المركز الفلاني -والذي بالطبع يمثل عميلا دائما له- وربما لم يكن المريض سوى ضابط يستغل منصبه لايذاء الاخرين والحصول على ما لايستحق..ولربما من سخرية الأقدار كان هو ذلك الذي يأخذ -بحكم منصبه- أرغفة العيش تحت مرأى ومسمع الموظف الحانق ..في أول المشهد..
صحيح ليس هذا إلا مشهد خيالي ...وربما كوميدي..لكني أظنه تبسيطا لما تمثله "الخصخصة النفسية"....
حقيقــةً كنت أود ان أطرح المزيد من المقارنات والاستشهاد بما يحدث في الوقت الحالي ..لكن نظرة خاطفة تغنينا عن أي استغراق في المسألة ..!!

الجمعة، ٢٥ أبريل ٢٠٠٨

لازلت أحاول أن أصنــع من آلامي ....آمالاً..!!

زادت في الاونة الأخيرة نبرة الصوت المنادية للتحرك ونبذ السلبية والتخاذل ..ومن الواضح أن هذه النداءات آتت أكلهاعلى كثير من الأصعدة ..رغم العديد من التحركات المناوئة لها ....إلا أن الصوت بدأ في الارتفاع أكثر فأكثر..لكن الملاحظ هنا أن الذي يحدث لا يعدو عن كونه "رد فعل " ..لن أفعل مثل البعض وأصفه "بالغوغائية"..أو عدم الجدوى ..!!ففي هذا اجحاف بجهود مبذولة ..ورؤى -إن لم نتفق معها -فلا نبخسها حقها..واذا كنا نرى في التحرك بعضا من المبالغة ..فلا يجب أن يكون رد فعلنا نحن أيضا في ذات الاتجاه من المبالغة..لكن السؤال الذي من المفترض أن يكن محل نظرنا هذه اللحظــة ..كيف من الممكن تحويل مجرد رد الفعل إلى "نسق منظم" ..وهدف مرئي..؟؟
بالطبع لن أستطيع الخوض في الأسلوب العلمي..أوالمنهج المفترض بأسلــوب المحللين ..لسببين أساسيين ..أولهما : أن بحثا صغيرا في أي من "محركات البحث"سينتج عنه كم هائل من المواضيع المتخصصة ...والتي اضطلع بها أحــد الكتاب المرموقين أو المحققين الذين أفنوا عمرهم في المجال..أما السبب الآخـرفهو أن الموضوع الذي نحن بصدد مناقشته ..وهو الأهم للقارئ ..لا تمثل فيه التجربة السابقة سوى مثال ..ومنطلق لبدء الحديث عن التجربة الأكب
ر.. والتي هي .."الاستفادة من الألم"..
دأب المفكرون على مختلف الاتجاهات ..والعصور ..على تحليل مدى ارتباط الألم ..بمسيرة الانسان ..ويحدو الأمر بالبعض إلى القول أن " الآلام هي ماتصنع المستقبل"..بدايةً لم أستوعب القضية ..لكن كما قالوا أيضا فإن "التجربة هي خير برهان" ..
وبالعودة إلى قضية "الألم"..فإن التجارب التي تمضي في حياتنا .."الخاصة والعامة" ..قد تتجه بنا نحو طريقين لا ثالث لهما ..فإما تكون سببا لليأس ولاحباط ..والاتكالية والانتظار للفرج الذي لا يلقي لنا بالا وهذا الشق هو المنتشر بيننا ..وإمــا تكون "آلامنا" مدعاةً للتجربة من جديد ..والمثابرة ..والأهم من كل هذا المصارحة مع النفس ..
لماذا "مصارحة النفس" بالذات ..بكل بساطة ..لأنها تدعو قبل مواجهة الصعاب والمواقف ..إلى الوقوف على مآثر و كذا عثرات النفس ..فالنفس البشرية بطبعها ..تواقة إلى التغيير إلى الأفضل ..إلا انها لا تتجه له بسهولة .وإن اتجهت فإنها لا تطيقه أو تتحمله في بدايته
..لكنها سرعان ما تعتاده ..ويصبح الحال الجديد جزءًا لايتجزأ من كيان المرء..وبذلك تكون "مصارحة " الذات ..هي الخطوة الأولى والأهم نحو "مصالحتها"..

ومن ثم تصبح مرحلة" الألم"هي المنطلق الحقيقي نحو الهدف..
ربما كنا كجيل لم نقع تحت وطأة العديد من المتغيرات التي تصقل الذات ..وتجعل من عودها صلداً..لذلك كانت أولى المواجهات مع المصاعب ..هي القشة التي تقصم الظهر ..مع أن المفروض أن تلك القشة تكون زائدة فوق أحمال كثيرة ..لكننا لم ننتظر وصول الأمر إلى هذا الحد فكانت تلك "القشة" ..هي غاية ما يمكن أن يمثل عبئا لا يطاق .ولا يحتمل..!!
ومخطئ من يتصور أن التغيير الذي يطرأ عليه ..أو أن التحرك إلى نقطة أفضل هو نهاية المطاف ..بل هو مجرد بداية لصفحة جديدة ..فالمشكلة أننا نبحث عن النهايات السعيدة ..لكن غاب عن بالنا أنها قد اختفت حتى عن "أفلامنا"..وما
دامت قوارب التجربة تبحر بي فسأظل انهل من مياه كالملح الأجاج..مستقبلا يوما تشرق فيه الشمس على مياه عذبة صافية ..يومها سأعرف أنني قد بدأت ....أتعلم!!

الاثنين، ٣١ مارس ٢٠٠٨

إلــى اليســــار ...قليـــــــــــلا..!!

مضى وقت طويــل ..!!
وربمــا تعــد هذه المــدة هي الأطــول منــذ شروعي في الاسترخــاء على هــذا "الكــرسي".. لعلّــي كنت أحتاج لهدنــة مع نفسـي .. أو لعلّـي كنت أبحث عن لغة خطاب وحــوار جديدتين ..حتى لا يملّ من يشاركني لحظاتي من تكرار نفس النغمــة على طول الخط..
ومن أجل ذلك لم أشــأ أن تضيع الفرصــة دون التبصــّــر في أحــوال المحروسة ..
فاعتليت أعلى مناراتها ..وحاولت التطلع إلى أحوالها ..وأوضافها ..رغم كل ما اعتراها ..!!
هي لا تشيخ..لكن الشوائب التي علت جنباتها أشــد فتكا وإيلامــا ..
وكادت الرياح أن تعصف بي من مكاني لتهوي بي في مكان سحيق ..لكن إرادة الله أن أظــل صامدا مكاني..
ثم إن "القــواعد" التي أقف عليها ..أرسخ من أن تعبث بها مثل هذه العواصف والأمطار ..
وبينما أنا في مكاني الاستكشافي ..إذا بصديق -لعلّه لمحني أثناء صعودي - يظهر بجانبي .ودون أن أدير وجهي عن الهدف الذي أتيت من أجله ومستقبلا مزيدا من الرياح ..دار بيننا حوار بدأته بالسؤال :

- مالذي دعاك لتأتي إلى هنا ..ألحقت بي أم بك شغف البحث مثلي..؟؟

=بل شفقة عليك يا صديق .

- شفقــة علي أنــا ..!!مم..؟؟

= من الوهم الذي تضطر نفسك فيه ..مالك أنت وهذه الأشيــاء ..أمرتاح أنت بينما تجابه هذه العواصف..؟؟

- ألا تستحق ما أبذله من أجلها يا صديق ..؟ أعلم أن بها ما بها ..وأن الحال وصل مدىً لن تتغير أحداثه بيسر وسهولة ..لكن السكوت أعنف وأصعب علي من العاصفة ..ربما لست ممن يقدرون على التغيير ..ولست ممن يبحثون عن وسيلة لكسر القيود التي تشل حركتهم..لكن ألا يحق لي بلحظات من الصمت ..والتأمل ..وأن أبوح بمكنون ظل يؤرقني وسكتّ عنه -كغيري- حتى وصل حالنا لمثل ما ترى..

= من أجل من تقول ذلك ..ولمن تريد أن تتأمل.؟

- أعرف ما تقصــد ..الناس قد تغيرت صنوفهم ..وظهرت أعراض جديدة ليست لها سابقة فيما مضى من عصور ..وأصبحت فينا خصال ليست لها هوية معتمدة ..فلا هي بالصالحة التي تحمد عقباها ..ولا هي بالسيئة التي يُشان فاعلهــا..
لكن لا تنسى أنها هي ..كل هؤلاء راحلون ..كما رحل الذين أتوا من قبل ..بكل أجناسهم ..وأفكارهم ..وأعمالهم ..وبقيت هي صامدة
ولا تقل لي أنها لم تواجه مثل هذه الظروف من قبل ..!!

=رغم أن قوتي بدأت تخور أمام هذه الرياح ..إلا انني متشوق لسماع بقية القصيدة ..أكمل يا عزيزي..

- لست أنشد شعرا ..أعرفك لا تحب إلا الكلام بالوقائع ..وها أنا أحدثك عن أخبار ليست من نسج خيالي ..أليست هذه الأرض التي كان بها الخير دونا عن كافة بقاع الأرض عندما أجدبت ..كما في قصة نبي الله" يوسف ".. أليست الأرض التي حباها الله بالخيرات والأنعم في زمن "فرعون " ..ألم تكن مطمعا لكل امبراطوريات الأمم السابقة ..

= أقسم أنني لو كنت أشــاهد أحد المؤتمرات ..لما سمعت كل هــذا ..
- أعرف أننا دايما ما نهــزأ بمثل هذه الأمــور ..ونعتبرها خطبا جوفاء ..لكنها في حقيقة الأمر جوهر الحقيقة ..لكن استغلالها على النحو الخطابي..دون الدخول إلى مضمون القصــة ..والاعتبار بما ورد فيها ..هو ما عودنا على كونها مجرد عيارات تطلق في الهواء

لتحية "العريس"..ولا طائل من وراءها ..

= دعني أختصر عليك كل هذا ..فليست بي القوة التي بك حتى أحتمل كل هذه الفترة ..ربما كان معك الحق لتعتبرنا خونة لأننا لم نقف موقفك..وربما تقول دائما بأننا جزء من المنظومة المهترئة ..وأن الحال الذي وصلنا إليــه لنا يد في صناعته ..
لكن أليست طباع البشـر هذه في كل مكان ..أليس الناس كلهم سواسية ..قسم الله بينهم الرزق ..والصحة ..والسعادة ..وأيضا بطبيعة الحال المفســدة ...أم أنك ستقول أن الله اختصنا دوناً عن بقية خلقه بهذه الصفة ..!!
إذا لم لا تتجلى هذه الشوائب والنكبات إلا في هذه البقعة التي تتحدث عنها ..لماذا بعد ان كانت "المحروسة "..باتت " المنحوسة"..؟؟لماذا نعاني -أنا وأنت - الآن لكي نقف أمام هذه العواصف العاتية ..بدلا من الاستمتاع بجو صافٍ..ونسيم عليل..؟
لماذا أصبح كل شيء "مائلا" ..؟ والأدهى أن ذلك أصبح أمــرا معتاداً..!!
لم يعــد شيئــا في هذا الوقت معروف ..ولا شيء واضح أو مستقيم ..!!
ألم تسأل نفسك يوما لمــاذا في هذه البلاد فقط إذا دخلت مسجدا لتصلي ..واعتدلت واقفا ..وجدت ورقة تقول " القبلة ..إلى اليســار قليلا"!!

عند هذه اللحظة ..ساد الصمت ..لم أشعر به عندما فارقني ..كنت ما زلت أسترجع آخــر الكلمات..!!
لم أجــد غير أن أهبط ثانية لمكاني ..وأعـود إلى "الكرسي " ..لتشاركوني لحظات لن أقول أنها هذه المرة تمثل تأملا ..بقدر ما تمثل
تشـــــــتّـتاً...!!



الجمعة، ٢٥ يناير ٢٠٠٨

وحيــــــــــدا ...لن تصل أبـــــدا !!

يحتاج الكاتب دائما لفترة حتى يستطيع أن يتدلل على قارئيه ..وأظن أنني أصبحت أستطيع ذلك الآن بفضل الله ثم امتناني للعديد من شجعوني وساندوا قيامي بالكتابة ..وبالأخص من وجهوا لي النقد والملاحظات ..
ولكن هذا الدلال تستبعه في بعض الأحيان مواقف عديدة ..منها الاتكاء على ذلك والتأخر في اصدار وكتابة مواضيع جديدة ..
لكنني أعــد كل مني يهمهم الأمــر أنني كلما وجدت متسعا للتأمل على الكــرسي ..أعدهم أن يشاركوني تلك اللحظة ..وأن يتعايشوا معها
ورغم برودة الأجــواء هذه السنة إلا أن مشروبا ساخنا ..يعيد الدم للجريان ويبعث النشاط ..ويدعو الأفكار لأن تتزاحم ..وتتراكم إلى أن تصل اللحظة التي تتشكل ..وتخرج إلى النور مشوبة بالهمــوم..ومزدانة في ذات الوقــت بروح المشاركــة التي تتكلل بها جلساتي كل مرة..
اليــوم بينمــا أسترجع كل هذه الظروف ..من إنشــاء "الكرسي"..إلى الجهود المبذولة للظهور بالمظهر الحالي له ..وما تخلل ذلك من فترات صعود وهبوط ..تذكرت كم المســاندة الذي لاقيته ممن أبــدوا الأراء سواء في الكتابات أو الاخراج الذي يظهر على جنبات الصفحة ..
وأيقنت خلالها كم أن الحظ عندمــا يبتسم للمــرء لا يمنح له مالا ولا جــاهــا ..بقــدر ما يمنح له من يخلصون له ..من يسعــون لأن تكون الخطوات كلها في طريق الأمــام ..والأمان..
بالطبــع الكــل يبحــث عن طرق النجــاح التي لن تكون إلا موازية للحصول على مدخول جيد يعين على المتطلبات التي يمر بها المــرء ..
لكن هناك أمورا حياتية وعوائق لن يستطيع تداركها سوى من له من الرفقة من يدلونه على الصالح من الطالح ..
في الماضي كانت مثل هــذه الكلمات البئر الذي نستخرج منه كلما تورطنا في احد مواضيع التعبير في المدرسة ..
لكن التجربة خير برهــان كما يقولون ..والفترة التي نمر بها ..والمشكلات التي تعصف بأفكارنا وأحلامنا ..تحتاج إلى جانب الحلول السياسية والخطط المدروسة ..كتفاً تستند عليه ..ورصيــدا من الحــب أصبح نــادرا إيجــاده ..لا يرجو من وراء نصحك وارشادك ..إلا ابتسامة صغيرة تبتسم على طرف شفتيك ..ربما لأنه يحس أيضا أن الهم مشترك ..وأن السفينة واحــدة ..لــذا لن يكون للنجاح ذلك الطعم إلا بوجود روح المشاركة ..
الإنســان اجتماعي بطبعـه ..وعلى الرغــم من كثير من الصفات الذميمة التي قد تميز الجنس البشري عن غيره ..إلا أن هذا الشيء في حد ذاته هو الداعي إلى تميزه وتفــرده .. لأنــه يتغلب على كل ذلك ..في ظل الأزمــات الخانقة ..والليالي الكالحة ..ليسطــر أسمى الصفــات التي بها يتميز عن سائر المخلوقات ..
قد يقول البعض :"إن معظم الحيوانات تعيش في البرية على شكل مجموعات " ..ونحن لا ننكر ذلك ..لكن ما يميز الانسان أنه قد عاند غرائزه -على عكس الحيوانات - ..!!
فالحســد والغيرة ..من الصفات التي تتكون مع الانسان وليس كما يظن البعض أنه يتعلمها ..ويتضح ذلك من تصرفات الأطفال الذين لم يبلغوا بعد مراحل التعلم والمعرفة ..
فعنــدما يستطيع المرء التغلب على كل هذه الصفــات ..وتتغلب لديه الروح السامية ..ويستطيع أن يتحكم في المتغيرات النفسية لديه ..
فإنــه يستحق الاحترام ..ليس احترامنا نحن وحسب ..بل يصل لأعلى المراتب فتحترمــه ذاتــه ..فيصبح احترام الآخرين مفروضا لا اختياريا ..
أردت أن تكون جلستي اليوم بسيطة أكثر بلا تعقيدات ولا مشاكل ..
بضع كلمات أصف فيها حالة النشوة التي تتملكني ليس فقط بسبب التغيرات التي أمر بها في حياتي ..
ولكن أيضا عرفــانا ..وتقديــرا لله ..على أن سخــر لي من يقفون إلى جانبي حتى أصل إلى ما وصلت إليه ..
أصدقـائي ..عــذرا لن أستطيـع شكركم ..فما قدمتمـــوه .....أكبر من ذلك..

الجمعة، ١٨ يناير ٢٠٠٨

ومـــــــــــا أبـــــــــــــــرئ نفـــســــــــــــــــي!!

لأول مرة منذ أول جلساتي على "الكرسي" لا أجد ما أستهل به كلماتي ..
لأول مرة يكون ذلك هو العائق أمام طرح الفكرة المرادة..فالأزمــة لم تكن أزمــة توقيت أو انشغال ككل المرات السابقة ..لكنها أزمــة بــداية ..
وكــم كــان طريــفا ومن المفارقات المضحكــة المبكــية ..أن الموضوع الذي نحن بصدد التفكير فيه يتحدث عن ذات الأزمــة ...البــدايــة
وبعد طول تفحيص وتمحيص ..قررت أن ألعب دور المشاهد للوضع ..وأن أتصرف كأنني لا أمثل صورة من صور المشكلة ..
أن أبدو كأحد المحللين الذين يتباهون على شاشات التلفزيون ..والذين ألتفت إلى وجاهة "ربطات العنق" التي يرتدونها أكثر مما أنصت لما يقولون ..وأن أتحدث "عن الشباب" لا نيابة عنهم ..
صحيح أن الظروف تكالبت على الشباب في الآونــة الأخيرة ..وتغيرت ظروف عــدة ..ليست سياسية فقط كما يظن البعض لكن استتبعها تغيّر ثقافي في المقام الأول فالشاب لم يعد يجد المنبر الذي لا يخلو من مفكرين ومبدعين ينهل منهم ويقارن بين ما يمنحونه حتى بات الأمر لا يعدو عن كونه تلقينا ..يتصيد كلمة من هنا وأخرى من هناك ..علها تنفعه ساعة إمتحان ..!!
ناهيك عن الظروف الاجتماعية التي ربما ملّ الناس من حديثي فيها لكنني لن أمل ولن ألين -كما يقول الرافعي في نشيده- ..لن تكون لي جلسة إلا وسأتطرق إلى المضمون الاجتماعي الذي لا أنشد لسواه حلاً ..فلست أرغب في رفاهية ولا أن تناطح أبراجنا هامات السحاب ..فكثيرا ما أشيد ببساطة وعراقة مصر الشعبية قديماً..التي رغم هــذا كــله كانت أنيقة ونظيفة و...."محترمــة"..نعم كان أهلها يحترمونها ويجلونها كما يجلّون الشيخ الوقور ..فلما أهانوها في حاضرهم ونســوا فضلها أعاد الله ذلك في أنفسهم فهانت وذلت واستكانت..
حتى صفعتها الكفوف وداستها الأقــدام ..والأصعب أن تلوكهــا الألسنة ولا يحسب لها حساب بعد أن كانت تقوم لها أمم احتراما وتقديرا..
الشباب الآن ليسوا جناة لآخــر المــدى ..وليســوا ضحايــا على الدوام .فالعوامل التي أدت الى ماهم فيه منها ماهو مفروض عليهم ومنها ما هو بأيديهم ..
فمثلا التعليم الفاشل ..والتغييب السياسي..والتهميش الفكري..جعلهم مرتعاً خصباً لاحباطات ..ولأسهم خارجية تتلاعب بهم كيف شاءت ..!!
أيضا هناك عوامل أخرى لا يجب نسيانها..فالآبــاء مثلا عندمــا رأوا الازدهار الذي تمر به البلاد أرادوا -عن حسن نية- ألا يمر أبنائهم بمثل تلك الصعــاب التي مروا بها..أثناء الحروب والتكتيف الاقتصادي للظروف العامة ..ولظروف البعض الخاصة ..فنال الأولاد ما يشاءون..
إلا أن ذلك عاد عليهم بالتكاسل والاعتماد ..فعندما خرج لمعترك الحياة وجده صلدا ..ووجد نفسه لا يقدر على شيء لمواجهته ..وأنه أصعب مما يظن ..فأصبح مهموما محبطا مضطربــاً ..ليّــناً خائر القوى لأنه ولأول مرة لا يمنحه أحد ما يريد واضطر لأن يعتمد على ذاته وعنفوانه هو..
وشيء أخير لا يمكن تجاهله أن وجود هذا الجيل في مرحلة انتقالية متسارعة أثر على حياته العملية ..فالوقت لا يتسع لأن يفكر في شيئين في آن واحد..واتسعت الرقعة وضاق الأفق أكثر فأكثر ..فلا زلنا متقوقعين داخل أنفسنا ومحيطنا الذي نحن فيه ..ولا نكلف ذاتنا هذه عنــاء البحث والخروج والتنفس..
البعض منّــا يفضل أن يسافر ويتغرب وربما يُهان في بعض الأحيان ..ولا يهم بما أنه في غربة ..ولا يقبل أن يتغرب داخليا في أسواق جديدة ومدن بعيدة عن أحضان أمه ..ودفء جيوب أبيه .. لا أقول أن من يسعى للكسب خارج الحدود قليل شأنه-لا سمح الله- ..بل نعزهم ونحترم اختيارهم ..بل إنني أهدي جلستي هذه لكل قامة منهم تقديرا واحتراما
ولا أقول إن الخيارات هنا وردية وأن الحكومة عندنا "رشيدة" كما هي لدى العيديد من البلدان الشقيقة ..
لكن النجــاح الذي لاتتخللــه مصاعب ..والطموح الذي لا يستعد لاقتحام التحديات مهما تصلبت ..لايكون ذا طعم ولا يرضي صاحبه " إلا أولئك الذين ينشدون الماديات السهلة والأرباح مع الراحة ..فدعهم يبحثون علّهم يصلون الراحة الأبدية"
أراهن أن كل من نسمع قصصهم ونرويها في حصصنا العقيمة ..كل هؤلاء من علماء وأبطال وكتّاب وحاملي الجوائز المختلفة واجهوا عقبات وأفكارا مشوهة حاولت عرقلتهم لكنهم نهضوا ونفضوا عن أنفسهم غبار الأفكار الصدأة ..وتابعـــــــوا..............

أعزائي قديــمــا قال الحكمــاء" مشــــوار الألــف ميل يبـدأ بخطــــوة"

لكنني أناشدكـــم أن تخــبروا من تقابلون من شباب اليــوم أن مجنــونــا من هذا الزمــان يقـــول " مشــــــــــوار الألـــف ميل يبــــدأ بــ .........عــثـــــرة" ..

الأحد، ٦ يناير ٢٠٠٨

ســـــــــــــــــونـــــــــــــــــة أجــــــــــــــدع نـــــــــاس..!!

تمــر السنين على الدنيا وعلى الناس وعلى المجتمعات حاملة - في هواءها- شيئاً تتراكم آثــاره محدثــة تغيرا طفيفا يتضح على المدى البعيد..
وتتبين ملامحــه في الأشيــاء من حولنا ..في شوارعنــا ..في سلوكنــا ..وحتى في ملامحنا ..ربما نحن لا نلحظ هذا لأنه يكون تدريجياً ويحدث بشكل تصاعدي ..لكن هناك أشيــاء يجب أن نعترف أن عوامل الزمن لم تستطع أن تنال منها ..ولا حتى الظروف المناخية أو الاقتصادية ..أو التقارب الهائل والعولمة "والقرية الصغيرة" التي نتحدث عنها على الدوام ..
لست أعني بذلك طبعا أيّا من الثوابت الدينية أو الأخلاقية أو العرفية في المجتمع " وإن كنت أشك أنها باتت ثابتة لدى البعض في الآونــة الأخير" ..لكن ما أقصده شيء آخــر نولد به و يترعرع في داخلنا ..وربما كان داخلا في نطاق الجينات الوراثية المكتسبة من أجيال سابقة..
دائماً ما كنت أتســاءل كيف يحدث هذا التناقض العجيب بين خروج مدرس الدين الذي يحدثنا عن كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفر من التعصب والتفاخر الأعمى الذي يدعو إلى حجب العقل وتوريث الضغينة والكراهية بين الناس حينما قال " دعوها فإنها منتنة"..قارنت بين هذا المدرس وبين مدرس اللغة العربية الذي يشرح كيف تفوق هذا في الفخر ..وهذا في ذم وهجاء قبيلة "فلان" ..وكيف دامت حروب القبيلتين دهراً..إلى أن ....
وبعد لحظات تأملية ..تلك التي تراودك بين الحين والآخر على كرسيّك..ستجد أن الأمر لا يعدو أكثر من صفات داخلة في التكوين النفسي المعقد للعقلية العربية ..لكنها أيضا إن لم تكن قد محيت مع جملة الآثار العتيقة ..فإنها عملت على مواكبة الحدث والتطور السريع الهائل ..فاتخذت شكلا ومنحى أكثر تعقيدا عن ذي قبل ..يتمثل في أننا ننتقد الأوضاع من حولنا وندعو جميعاً إلى تحسين الأوضاع وإلى الحرية وحقوق الإنسان ..في حين أننا نفس الأشخاص الذي يخرقون بأفعالهم ما ينادون به ..ويدّعــون أنهم يناضلون من أجله..
نفس هؤلاء الناس الذين يطالبون بحرية التعبير وإبــداء الرأي ..هم نفسهم من يعانون عقدة عدم القبول بالنقد والتوجيه ..لذلك نرى سياسياً أصحاب التوجــه الواحد يتصارعون وتصل الاحتدامات بينهم إلى حد التشابك والتلاعن " وبعيدا عن جهود الجهات الأمنية في ذلك" فإن السبب الأكبر والسبيل الأقصر لذلك أن كل منهم يرى أن رأيه هو الصحيح ..وأن التوجه الذي يبديه هو الأصلح لا لشيء إلا لأنه قادم منه هو ..والتحدي قائم إذا أثبت أي من أصحابها جدواها عمليا ..لكنهم يظلّون على موقفهم لأنهم تربوا على عدم التخاذل أمام الرأ الآخر ولو كان الأصح ..!!
دينيــاً.. نلتفت حولنا فنرى العديد ممن نعرفهم لا يطبق أدنى حدود الدين ..لكنّـه يستبسل أيّما استبسال أمام من يحاول النيل مما هو راسخ في داخله ..وهذا شيء جميل ..إذا كان آتيا من شخص له قناعة تامة بقضية يؤمن بها ..ويعمل على الحفاظ عليها ونشر ممارستها "بالفعل قبل القول" ..لكنك إن سألت أي من هؤلاء عن سبب صياحه وانفعاله لكن رده المتعارف عليه والمعهود : أنــه لن يسمح لأي كان بأن يمس "معتقداته ومبادئه" ..وبنظرة فاحصة نلاحظ أنه يجب احترامها والدفاع عنها -على طريقته-لا لأنها الأصح ..ولا لأنه يؤمن ويطبق كل ما جاء في تعاليمها فعليا ..ولربما ناقشته فوجدته أجهل من دابة فيما يتعلق بجوهر ما يؤمن به ويعتقده ..
كل ما في الأمــر أن الأمر يتعلق به وبشيء يعود إليه ويتسمى به ..فلا يحق للآخرين مجرد الاقتراب منه ..مع أنك قد تختلف مع آخر لكنك تحترمــه في أعماقــك لأنه قد يفني حياته بعد أن آمن بالقضية وبذل من اجلها ولم يضن عليها حتى بدمه وحياته ..حتى ولو خالفك في الاتجاه والرأي..
وفي حياتنا الاجتماعية الأمر أدهى وأمر...
ولنأخذ البيت كمثال بسيط ..فالأم - أو الأب- لا يريدون لابهم أن ينجح ويصبح من المتفوقين حرصاً على مستقبله فقط .."هذا سبب أساسي" ..لكنه قد يتنحى جانبا إذا ولجنا أي من بيوتاتنا المصرية وشاهدنا كيف تهتم الأم بما حققه إبن جارتها من درجات وتفوّق ..وكيف أن ابنة صديق زوجها دخلت كلية كذا ..
وهنا يجن جنونها ..ويتحول الوضع إلى تفوق الغير على شيء تمتلكه ..روح المنافسة جميلة ..ومطلوبة للتحفيز ..لكن تحولها بالشكل " المرضي" الذي نراه بيننا ..ليس تنافساً أو أسلوب تحفيزي بقدر ماهو سباق نحو التعصب الأهوج الفارغ من أي مضمون أو نتيجة تعود بالرضا عن النفس والمصالحة معها ..
وفي المجتمع والشارع ..فالحال حدث عنه ولا حرج ..فتجد المزايدون والمرآون يتباهون بأنهم ينتمون إلى مثل هذه البلاد ..لكنهم لا يدخرون جهدا في سرقتها والاستفادة منها في أي وضع وأي حال ..ومن المفارقة أنك قد تجد الشخص يذهب ويأتي .. بين حلّ وترحال ..مدافعا عن سمعة البلد وقاطعا ً للألسن التي قد تلوكها بشيء فيه اساءة لها ..والناظر للأمر يراه جميلاً من خارجه ..
ولكن بإزالـة القشور التي تحيط بالوضوع سنجد أن نفس "المناضل" يبحث عن أي فرصة لمد يده والنيل من بلاده نفسها ليس بالكلام كما يفعل الآخرون ..وإنما بجعلها على الشكل الذي يسمح لهم بأن يتخذوها سخرياً ..وهكذا ..
هو في جداله لا يكف عن ذكــر الأمجاد والقصص ..وأجداده الفراعنة ..والأهرامات ..أي أهرامات التي يتشدق بها ..!!؟؟ ويتحدث عنها .. ربما كان بعدنــا في زمن مضى وصعوبة وصولنا للأهرامات سببا في أننا كنا نراها فعلا "شيئا اسطوريا " ..رمزا للشموخ والعلو ..أما الآن فبامكانك أن تراه من عدة أماكن دون الحاجة لبذل مجهود للوصول إليه ..فأصبحنا نتساءل عن سر عظمته ..وشاهدنا أنها مجموعة من الحجارة المتراكمة لا دلالة لها ..وأننا ضخمنا منها أكثر من اللازم ..فانعكس ذلك على لغة خطابنا ..وأصبح الأمر مجرد ترديد أجوف دون قناعة بأهمية هذه الحجارة ..وفقدنا الاحساس بالرمز الذي كان من المفترض أن يكون منبعاً نستقي منه رفعةً وشموخاً..
أمــــا أن نراهـا مجرد حجــارة ..فستظل تتراكم على صدورنا ..وفي أرواحنا ..وسيبقى الأمــرمجرد دفــاع عن مجموعة حجارة لا طائل منها ..
فقـــــط لأنـــــها لدينــا ..وملك لنــــا ..!!


انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام