الأحد، ١٨ نوفمبر ٢٠١٢

الصعيــــد .. مــات !!

استيقظت مصر كعادتها - خصوصاً في الآونة الأخيرة - على فاجعة جديدة تهز أرجائها ليس فقط لكونها محلية ، ولا لتكرر الحدث ، وإنما لكون الضحايا من الأطفال في واقعة تجعل الجميع يشعر وهو يتابع وكأنه يفقـد أحداً عزيزاً عليه ، رغم أنهم لا يعرفون الضحايا أو ذويهم بشكل شخصي إلا أن الشعور العام الذي اجتاح مصر من أقصـاها إلى أقصـاها كان يحمل روحاً فياضة من التعاطف والحزن العام وكأن مصر كما قال البعض فقـدت شكلاً من أشكال مستقبلها وهو في طريقـه ليصـاغ ويُشـكّل لإنتـاج "شاب عالم وفتاة باحثـة " ، ليصبح البدل عنهم ثمن تليفون محمول وفي انتظار رحلة العمرة وكأن كل إمراة مصرية عجزت عن أداء فريضة الحج أو العمر ما عليها سوى أن ترسل إبنها لمكان وستتكفل الحكومة بالباقي ..!! سـؤال وحيـد يعتصـر صدر مصر وهي ترى فلـذات أكبـادهـا تحتضنها - بدلاً من صدر حنـون لدولة ثورية فتيـة - .. مقدمة قطـار !!

سؤال لن يجيب عليه أحد من القابعين على كراسيهم الوثيرة : هذه النفــوس البريئة الطاهرة .."بأي ذنــب قتلت"!!؟


هكذا كان هذا المشهد متناغماً في المشاعر حتى غربت الشمس ، فما أن جنّ الليـل حتى استعاد الشعب " المكلوم نفسه" عاداته المفضلة بالانقسـام على نفسه ووضع قوالب محددة للفئة التي يجب أن يتشكل عليها من يريدون أن يصبحوا منه وله ، ففي هذه الليلة كان الناس على موعد " مسبق" لمشاهدة نهائي بطولة أفريقيا لأبطال الدوري والتي كان الأهلي طرفاً فيها ولن أسهب في الظروف التي مر بها الأهلي وجمهوره حتى باتت هذه البطولة أهم من كل البطولات التي حصل عليها في تاريخه السابق وربما اللاحق أيضـاً.
إلا أنني هنا بصدد التطرق إلى نقطة أخرى واكبت الحدث ، وتمثلت في كم " المزايدات " التي تعرض لها جمهور النادي الأهلي عموماً وجماهير أولتـراس على وجه الخصوص تعلقت في البداية بمشاهدة المباراة في حد ذاته رغم ما تمر به البلاد من ظروف عصيبة ، وما تخلل ذلك من توتر وانفعال البعض جراء تفاعل الجماهير مع كل لمحة بالمبـاراة ، ثم كانت الطامة الكبرى بخروج البعض في الشوارع للاحتفال بهذه البطولة لتقابله موجة مضادة " حسب قوانين نيوتن" من السب والقذف والتهجم على النادي والشعب والجماهير في اختزال تام لكل معاني الإنسانية والوطنية لمتتبعي فعله وأسلوبه فقط ، والأهم تعرض أولتراس كما أشرت لذلك مع توضيحهم أنهم امتنعوا عن الاحتفال تضامناً ..!


وهنا كان لابد من توضيح بعض الأمور تباعاً حسب رؤيتي المتواضعة للأمر ، فرد الفعل هذا لم يأت - في أغلبه - سوى ممن لا تمثل لهم كرة القدم سوى أمر ثانوي أو لا تمثل له شيئاً على الإطلاق ، في حين يحكم على أناس تشبعت دماءهم بالكرة وأصبحت جزءا من حياتهم وبطبعهم بسطاء على سجيتهم لا يكيلون المور كما يقوم هو ، فهو يحكم على الأمر من وجهة نظره ولعل بعضهم لم يكن ليفوت حفلاً موسيقياً لو كان من الذين يحبذون الفن أو رحلة خارجية لو واتته الفرصة التي لن تتكرر وسيتحجج وقتها بالظروف والتوقيتات ، والأمر الثاني أنه يحكم على أناس لا يعلم مكنوناتهم ومدى حاجتهم لشيء يهربون به من الواقع الأليم الذي يمرون به فليس طاقات البشر متوازية ولا متساوية .
 لكن الأهم لديّ أن المزايد هذا لم يكن يتحدث من منطلق منطقي يعود بفائدة وهدف معين على المصاب الجلل فلم أجد منهم من يدعو لخطة معينة للتخفيف عن ذوي الضحايا أو الإتيان بحقوقهم أو تقديم يد المعاونة لمعالجي المصابين ، كل ما هنالك أنه يبحث عن " مشاركة عاطفية" ومواساة وجدانية لأننا شعب يحب أن ينغمس في الشيء حتى الثمالة حزناً كان أم فرحاً ، فكان الأمر - عندما بحثته- أشبه بمعاتبة عجائزنا اللاتي يشتكين من أن " فلانة" لم تقدم لتعزيتها وأن الأخرى لم تسلم عليها بطريقة مناسبة . وكأنهم أشربوا في قلوبهم عادات الانقطاع عن الفرحة بالسنة والسنتين كأننا نعاقب المولى أن أمدنا ببعض المصائب في حياتنا ..!!إنني بالطبع لم ولن أكون ضد التعاطف المعنوي لكن أوضح فقط أن يهتم المرء بذاته ومشاعره ، لا أن يفرضها على غيره دون علم بظروفهم ونفسياتهم . 

وإن كان هناك سبيل للمزايدة فالأحق أن نسأل هؤلاء من منهم يعرف كم المآسي التي يعاني منها الصعيد على مدى عقود دون نظر أو التفات ، كم واحد رأي شظف العيش الذي ربما يكون الموت الذي حزنوا بسببه أوفر حظاً ونصيباًأحياناً عديدة ، هل يجب أن نزايد أيضاً ونتساءل من يعرف أن المستشفى التي لم يجدوا فيها " بايكربونات الصوديوم" هي أكبر وأقوى المستشفيات ليس على نطاق المحافظة فقط ، وإنما تخدم كل المحافظات في الصعيد كافة فإذا وجد الطبيب الحالة قوية أو مستعصية حولها من سوهاج أو قنا أو أسوان ولا توجد مستشفى بكفاءة ما رأيتموه وكلهم يفدون إليها من كافة القرى والمراكز ويحمدون الله ، أم هل أتساءل من رأى من قبل شاباً يتزين أمام المرآة فيقول له صديقه أو أخوه " ياعم انت فاكر نفسك في مصر" !!ياااه كم هي مؤلمة هذه الكلمة لمن يحس وقعها وكأنه يقول له الحياة لمصر ..المحروسة ..أم الدنيا فقط نحن لسنا مصر ، نحن يكفينا أن نعيش على الفتات ..هذا وإن بقي الفتات . هل فعلتم أيها الباكون شيئاً لهؤلاء أم أن ضميركم ارتـاح إلى أنه قبل ذهاب هؤلاء الصغار بزمن كان ..الصعيد قد مات !

انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام