الأحد، ٣٠ ديسمبر ٢٠٠٧

دعـــــم الرغيف ..أم دعــــــــم مجتمع ..!!؟

وقفت الحكـــومة لتشرح -متمثلة في رئيسها الموقر- لأبنـاء هذا الوطن ..أو" للشعب" ..ما حققته وما هي بصدده من انجاز وعمل دؤوب من أجــل صالح هذا الشعب المسمر أمام الشاشات مترقباً ما سوف تحن به عليه من قرارات ..
وبعيدا عن البحث في كم الانجاز والأرقام التي ذكرتها الحكــومة ..اتضح لي -كمواطن مسترخي على كرسيه -أن الدولة لديها أزمــة ثقة "غير رسمية" ..فتحول الحوار المطروح إلى طلب المشاركة والتعاون الذي بدوره تحول "مع طول فترة البيان" إلى شيء ما قريب من " الاستجــداء" ..وهنــا كان لا بد من الوقفة ..أو بالأحرى "جلسة " على كرسيينا لنبحث معا عن السبب وراء هذا الحوار..
دائما ما كنت أتساءل : لماذا لا تعمد الدول-كل الدول- لموقف الحكومات العربية ..من تغييب المواطن عما يدور حوله من سياسة !!؟.
وبنظرة فاحصة لخطاب اليوم ستجد أن سياسة الابعاد تلك عن بواطن السياسة ..أدت إلى تفشي الأمر واستفحاله ..حتى طال أمورا أخرى بعد -القضاء على الوعي السياسي -..فاندثر الوعي "ثقافـيـاً" .."صحياً" .."وأخيرا وليس آخرا " اجتماعيــاً".........
ولعلنـــا قد نكتفي بالأثر" الاجتماعي" تلخيصا لكل ما يعود بالاثر على سابقيه ..وكذلك لأنه كان محور الاهتمام كما يتضح لمتتبع لغة الحكومة ليس في خطاب اليوم بشكل خاص ..وإنما في ما يصطدم بوجهك في لافتات الشوارع واعلانات التلفزيون ..وفي كل مكان.
أصبحت الحكومة اليوم هي من تنادي للمشاركة ..أصبح الهاجس الحكومي بعث الهمة والنشاط من جديد داخل المجتمع الذي صار مهلهلا..
وللمساهمة في ذلك تطرقت الحالة "التجديدية " إلى أمور تعود فوائدها على الآثار الاجتماعية .."واستحضارا مني لكل أصحاب التوجه التشاؤمي" لنفترض أن الحكومــة لا تبتغي راحــة المواطن الكادح كما اعتادت أن تتشدق في جولاتها المتتابعة ..
هذه المرة يتضح أنها في مأزق حقيقي ..لأنها اليوم تفتقـد أكثر من مجرد سلطــة ..تفتقد "أمـــــة" ..ولربما أفقدها جزءا من مشروعيتها أمام نفسها فأي الحكومات تلك التي لا شعب لها ..
وإذا عدنــا إلى أحــد محاور الخطاب الحكومي ..نقف مطولاً عند الإشارة الواضحة إلى "أخلاقيات الشعب الأصيل " وتكرارها أكثر من مرة..
في نبرة اكتستها زفـرات الترحّم والذكريات المختفية خلف الكلمات ..
لننحي الحكومة جانباً لبرهــة ..ولتذرف دموعها بعيدا عنّــا ..ولكننا لن نكتفي بمتابعة ما ستؤول إليه جهودها من فوق جسور معلقة ..
الفكـرة التي تعتصر الذهن حاليا ..أين هو التحرك الاجتماعي ..؟؟ وأين ما كان ينتشر من العمل الأهلي الذي لا تخلو منه أي دولة مهما بلغ تقدمها ومهما وصلت من التطور والرقي ..لأن المشاركة الأهلية لا ترتبط بقوة الدولة ..بقدر ما ترتبط بقوة "مجتمع"..
قد يرى البعض أن المجتمع لا يخلو من مظاهر التكافل والمشاركة ..ويعزو آخرون عدم لمس الموضوع بقوة إلى التطور السريع الذي جعل عجلة الحياة تدور دون أن تترك مجالا -كما كان قديما- لأن تكون هذه المشاركة بالشكل المتعارف عليه..
وللرد على ذلك نقول إن مظاهر التكافل كانت أقوى في ظروف أحلك من هذه ..وأكثر أزمات البلاد اقتصادية في أزمان مختلفة ..كما أن التطور الذي يلحق بنا ..هو نفسه إن لم يكن أقوى ما يدفع أماكن أخرى لم ينس أهلها هذه الروح..
ولا تنحسر المساهمة الأهلية في البذل المادي ..دون متابعة الأهداف التي من أجلها تم هذا البذل..
ولا يقتصر الوضع على القادرين ..فكل يعمل على قدر سعة يده ..لكن غياب الثقافة الاجتماعية ..ولّد لدينا شعورا بأن العمل الاجتماعي يجب أن يكون قاصرا على فئة معينة" مقتدرة" ..ولصالح فئة أخرى ..كون الحياة كلها باتت " مـادية"..
أمـا الأمور والحقوق العامـة فهي من باب واجبات الحكومة التي دائما لا تقوم بأداء ما هو منوّط بها ..
وتمضيي العجلـة ..والسباق من مرحلة..إلى أوسع منها ..!!!
لقد تخمرت لدى المواطن فكرة توارثها مقتضاها أنه "مكفول " من قبل طرف آخــر ..-ولا نعني هنا المعنى المتعارف عليه في دول شقيقة - فالمواطن له حق توفير الصحة والتعليم والعمل والزواج و....الخ من متطلباته التي يتذمر من عدم قدرة الدولة على تحقيقها..
ونسي أن الحق هنا حق متبادل ..فكما أن هناك ضريبة الدم المبذولة في الجهات العسكرية ..هناك ضرائب أخرى عديدة نستطيع بعدها مساءلة الحكومات كما نريد ..
فقد نسينا أن الشارع الذي نحن فيه له ضرائب احترامه والمحافظة عليه ونظافته ..
نسينــا أن الموظف يجب أن يحترم المكان الذي ينتمي إليه كضريبة الانتماء إليه ..وأن يبذل جهده قبل أن يسأل عن حقوقه ومعاشاته..
حتى التعليم لم تصبح له بل الأهمية بعدا فرغ جيلاً نمدحه حين نصفه "بالأمية"..
ضريبة الجار ..ضريبة الصداقة..ضريبة مجتمع بأسره تنتمي إليه ..ولست هنا أشير لأي مبادرات "مادية بحتة"..
صحيح أن الحكومة لا تفي بوعودها وهذا ليس بغريب عليها ..إنما الغريب أن ندخل معها في عناد ونحن نعلم ان الضحية الوحيدة هي كيان ..وبلد ..ومجتمع لا يحمل من الحياة الاجتماعية حاليا ..إلا الاسم فقط..
ربما كان السبب أن من طباعنا أننا لا نعرف التوسط في الأمور ..فإما الرد العدواني والصوت الحنجوري بلا أي طائل ملموس..
أو السكينة والخمول والتسليم بقضاء الله الذي قال " إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيّرِوْا مَا بِأَنْفُسِهِمْ "

كم كنت أودّ لو كان لنا عين بمحاسبة الحكومة على ما تقوله ..وأن ترتفع أبواقنا منددة بموقفها من قضايا مختلفة ..
لكن خجلاً يمنعني أن أتحدث نيابة عن شعب أرادوا سلب إرادته..فتنازل عن"الروح"...!!!

الأحد، ٢٣ ديسمبر ٢٠٠٧

"بـــلاك تيــما"..أفلتــــــوا زمــــام المجنـــــــون ... فكـــــــان سعيـــــدا

من أجمل اللحظات التي أتحينها بين حين وآخر تلك التي أقضيها متأملا على هذا الكرسي لأطرح - بيني وبين نفسي - أفكارا تتجمع بسلاسة لتسيل أخيرا -بعد الترتيب- على الأوراق أحبار تتآلف فيما بينها مشكّلــة هذه المقالات ..
لكن أصعب ما يمكن أن أمــر به في هذه الأثناء أن تظل ذكرى حادثة ما عالقة في ذهني لفترة طويلة ..وتأثيرها على تجميع الأفكار يظل مستمرا حتى أنني أخشى أن تنصبغ الأفكار به ..وتخرج عن السياق الذي من أجله أكتب..
لكنني اليوم -ولأول مرة-لم أحارب هذه الحالة..بل إنني قد أستدعيها مراراً وتكــرارا وفي مقالات لاحقة كلما استدعى المجال لذكرها..
ذلك أن الأمــر لم يعد مجرد ذكرى لحادثة ..أو مجموعة أغانٍ لم أستطع كبح نفسي عن ترديدها ..
لقد بــات الأمـر بالنسبــة لي "نجــاح فكـرة" عايشت العديد من ظروفها ..وأحداثها ..بل وصعابها ..ومررت مع أطراف القصة باليوم السعيد ..والحظ العنيد ..فكان نتاج ذلك ما شاهدتــه أمام عيني وفي عيون من حولي من عصارة المجهود والعرق المبذول في سبيل انجاح الفكرة..
فكل قصصنا كانت فكرة..
بل ان حياتنا كلها ليست أكثر من مجرد "فكرة " ..اذا اُستغلت جيــدا كان الطريق المتعارف عليه نحو النجاح..
والفكـــرة ليست ســوى" طفلة "..ليس علينا سوى أن نوليها الرعاية و والاحتضان الكافي ..
و"بلاك تيما " أحــد هذه الأفكــار المستمدة من صرخــة أطلقها الشـارع ..متمخضــاً ومعلناً ولادة فريق جديد ..وشكــل جــديد لهــذا الجيل..
Free Image Hosting at www.ImageShack.us
حقيقةً لست هنا لذكــر ظروف وملابسات إنشـاء الفريق ..ولا لسرد تفاصيل الأحداث التي صاحبت مشوار أعضاءه..
ولكن ربما سأكتفي بذكــر ما مر أمامي أثناء استمتاعي بحضور آخــر الحفلات التي شدى فيها "الفريق" بأجمل ما لهم ..وبأروع الحالات التي يمكن أن يكونوا فيها..
ما رأيته بالأمس كيف أن الطفــلة الذي شهدت ولادتها ..بــاتت سيـدة فائــقة الجمـال..
ما رأيته يقول انه لم يعد بالامكان ايجاد الأعذار لأي هفوة بعد الآن ..فقــد حان وقت المسؤولية الحقّـــــة..
ما رأيته كان رسالة لكل من عاصروا الحــالة -مثلي- بــأن النجــاح الذي لا يسبقه احباطات ..ليس بالقوة التي يمكن بها أن يستمر..
كانت من أصعــب المراحل على الفريق تلك المرحلة التي كان عليهم فيها ايجادهــوية لهم ..
كان عليهم ان يصلوا بأنفسهم ..وأن يشرحوا مضمونهم للجمهور ..
كل هــذا كان قبل حتى أن يبدأ الناس بترديد الأغاني .
واختاروا الطريق الأصعب ..والمجازفة ..و المحاولة "التي عُدّت مستحيلة" بالدمج بين الروح العصرية ..والمضمون الجيــد..
في البداية كانت الحالة صعبة على الناس..صحيح أنه سبقتها تجارب عدة..لكن هذه التجربة مختلفة ..وهو ما زاد من صعوبة المهمة ..
ولم تزدهم هذه الاحباطات الا عنادا ومثابرة..
مشكلتنــا أننا لم نواجــه تلك الصعاب التي تختبر صلابة ارادتنا إلا في مرحلــة متأخــرة ..كانت النفس فيها قــد تعودت أن الحياة ليس فيها إلا كل شيء جميل ..فأدى ذلك بنــا أن توقفنا عند أول معبر ..لم نكلف أنفسنا عناء إبراز هويتنا..!! لم نمنح الظروف الفرصــة لأن ترى سواعدنا مشمرة استعدادا للمواجهــة ..فبدلا من ذلك رأتنا نرتــــد القهــقري ..ونعطي ظهــرنا لها .. ظنـّـا من العديد أنه ربما حنّت ورقــت لحالنا وتنادينا رأفــة لتعيد أحلامنا معطرة ومغلفة بالورود والرياحين ..!!
وهـــــــذه هي الآفــــــــة التي تتغلغل في عقولنــا ..وتسكــن أرواحنـا..
نسينا أن الظروف لاتلين أبداّ ..حتى ولو لانت عزائمنا..ولا تهوّن من نفسها ..حتى ولو هانت علينا أنفسنا ..وأحلامنـا..
ربما كان السبب نشأتنا في ظل ظروف حديثة لم يكتنفها حدث جلل يهزها ويحركها..
ووجــودنــا في أمــة تركت نفسها عرضة للأهــواء والتخبــط ....والعشـوائية ..
لكن هنـاك من من لم يرض لنفسه أن يكون تحت رحمــة الظروف مهما كانت قوتها ..
كم كان جميــلا أن أشـاهد من لم يقبــل بأن تهزمـه الظروف..
كم كان رائعاً أن أرى أنــاسا ينتمون إليّ - وليس مجرد قصص أسمعها- ينجحون ويخترقون بالعزائم ...حواجز الصمت ..والصبـر
كم كان شجياً..أن أرى تلك الفكرة التي شهدت ولادتها ..والطفلــةً التي لا تنفك تشاغب للوصول إلى مبتغاها ...ما أجمل أن أراها اليوم عروساً من أروع ما يمكن أن تكـــــون تستقبل مرحلــة جديدة وجميلة من حياتها..
كــم كنتـم أذكيــاء ..عندمـا أيقنتم أن الناس إن لم يستطيعوا الصعود إليكم ..فبإمكانم النزول والأخـذ بأيديهم والارتقـاء بهم ..


كـــــل عـام " أصدقـائي" وأنـتم أجمـــل ..وأقــوي !!



الاثنين، ١٧ ديسمبر ٢٠٠٧

بــــيـــــــــــــن الحـــــــــــــــــب........والواجــــــــــب !!

كم كنت أتمنى ألا يخيب ظن القارئ بعــد أن اجتذبه العنوان ممنياً نفســه بأن يتجول بين شطآن الرومانسية البحتة بقصصها ..وشجونها ومآسيها ..وأفراحها القليلة..
لكن جلسة اليوم - مع ما يحمله من عبق روحي ..وصفاء في النفس -توحي إلى إلى ماهو أرقى من ذلك ..
فهذه الليلة تجتذبني إلى الحديث عن الحب بكل معانيه ..وبشكل أعمق وأدق أكثر من الاكتفاء بالجانب الرومانسي المتعارف بين الناس " الشباب منهم بالأخص"..
ويبدو أن ما دعاني لذلك أنني لاحظت شيئاً لا أبالغ حين أقول أنه قد هزّ كثيراً مما كنت أعتقده ..وهذه الملاحظة ليست خاصة بي فحسب لكنها تمتد لتطال أمــة بأسرها ..وآفتي أني آليت أن أحمل في رحلتي همومها ..ومشاقها ..
وحتى لا يجتذبنا الحديث إلى منحىً آخــر فإن ما لاحظته يتمحور حول كلمات بسيطة ..تحتاج إلى مجلدات لبسطها وتحليلها ..فنحن أعزائي
" جيـــــل لا يعــرف كيف يحب"..!!!
نعــم ..وربما كانت صدمــة العديد في محلها ..فالعادة جرت على أن نغرق مسلسلاتنا وأعمالنا الأدبية والاعلامية وحتى الغنائية بكل معاني الحب والرومانسية ..ولعله ما أدى في بعض الحالات إلى إقحام هذا الأمر في مواضع عديدة لا تستدعي ..ولا تحتمل الموقف..
كل هــذا حتى نقول لأنفسنا -قبل الآخرين- أننا شعب عاطفي ..يبكي عند أصغر حادثة ..ويتأثر بالموقف حتى أنه لا يعرف الفصل بين القرار العقلاني والانفعالي..ونريد دائما إيصال فكرة أن أي منا لا يستطيع التخلي عن " الحب" حتى في أحلك الليالي ..وأصعب المواقف
..وأكثرها جدية .. حتى باتت العاطفة رمزا لزمن ولّى ومضى ..أو مصدرا للتهكم والاشارة إلى الأفلام ..أو بمعنى آخــر" كلام أغاني"
قد يدعي البعض أن في الأمــر مبالغة ..أو قد يتحججون بأن الظروف هي الباعث الأول لهذا الشعور ..!!
وأن الشباب الآن لا يجد الوقت للحب والعاطفــة ..حتى تجاه ثوابت كان الحب الممنوح لها غير مشروط في زمن مضى..
ولكن أي ظروف هذه التي تؤدي بالمرء لأن يكرر علانية أنه يمقت وطنــه..؟؟
أي مصاعب التي تجعله يذكرها بالسوء أينما حلّ ..وحيثما اتجه..؟؟
ليس ذلك إلا نتيجة لأننا لم نعــد نمنح إلا بمقابل ..و انقلبت المادية في حياتنا من مصدر لتحسين أوضاعنا إلى "الوضع" في حد ذاته..والأمل الذي نرتجيه..!
فلم يعد المرء منا يبذل - حتى العاطفة- ما لم يكن ذلك أمام مصلحة مقابلة ..
ويعتقد البعض أنني أتكلم - مثل الحكومة- من برج عال..ولم ألق المصاعب التي من أجلها قد أحكم بجدية عن حال البلد..وأن النشأة خارجها جعلتني لا أدرك مدى الصعوبات التي يلقاها من هم فيها..
ولكن الغريب أن النشأة خارج الحدود لها تبعات أخرى ..وربما كانت أفدح وأقوى ..!!
لكن وراء هذا الشعور التي يتملكني إلى الآن "رجــل" واحد..منذ نعومة الأظافر جبلني على أن "مصــر" لها معانٍ أكبر من مجرد كلمة..
ربما كانت مبالغاته في رسم وردية البلد أدت إلى أن نمى إلى ذهني - وقتها- شعور "جنة الله في أرضه"..وبالتالي كان لابد أن أصدم كلما مررت بالواقع بعد القدوم والاستقرار على أرضها ..
وربما كدت أركن قليلا إلى هذا الشعور ..لولا أن ثبتني الله من عنده..إلى جانب دراستي للظروف التي من أجلها كان يصور لي هذه "الجنة"
وعلمت أن أبي لم يولد وفي فمه ملعقة ذهب..بل على العكس من ذلك ..فبعد أن فقد والده ..كان الخيار التالي منزله ومآواه الأول الذي عرفه ..ومع بيئة جديدة و روح غريبة عليه ...توالت في نفس الآونة على البلاد مشاكل عدة ..وتكالبت عليها الظروف والمحن..
فما كان منه -مع رفاقه- إلا أن ذاد عنها ولم يبخلوا ببذل كل قطرة من دمهم ..وشبابهم الذي يمضي أمامهم ..
وفيما بعد كان أن أعطوها "عرقهم" في سبيل انماء ما سقط أثناء الحروب ..
حتى في رحلتهم ..كانوا يعزون الأمر للظروف السابقة ..ويمنون النفس ليوم العودة ..وفي نفس الوقت توالت المحاولات لاعلاء رمزها في محافل عدة..
كل هــذا صادفني أثناء البحث عن سبب" الحب " الذي يكنّونه ..ومن أجله يبذلون كل شيء..
وللصدمة .!!! لم أجد ما يذكر ..!!
و أبي وغيره كثيرون خرجوا من ديارهم التي تبعد حوالي "الالف ميل" لتشييع "عبدالناصر" إلى مثواه الأخير ..بل إنه دائما ما يذكر حادثة حصلت له إثر التدافع الذي كان وقتها..مع أنه من المفترض أنه كان السبب في تشتيتهم ..وسلب حقوقهم -كما يقول البعض- ..لكنهم كانوا - وما يزالون- يرون فيه رمزا للوطنية ..وللحب .."حب الوطن".
كانوا يرون أن ما أخذه منهم يدخل في نطاق تضحية الجزء من أجل الكل ..وأن الخير إذا طال "الاسم" الذي يناضلون من أجله ..فلا بد وأن يعود عليهم نهايةً ..
"هـذا زمن ولّى ..وراح..!! "
كلمة أسمعها كلما تطرقت إلى مثل هذا الحديث ..
كلمة يرددها أناس يحلفون أنهم في أي لحظة أنهم قد يضعون أيديهم في يد الشيطان إذا وعدهم بتحسين أحوالهم ..
كلمة يقولها من أدعي أنه لا يكن لوالديه أي عاطفة إلا بالقدر الذي يبذلونه من أجله ..فالحياة كلها تتمحور عند هؤلاء في كلمة " أنـــــــا"..

صحيح إنــه زمن ولّى ..
ومع كل تحفظاتي على شخصيات ذلك الزمن العامة ..إلا أنني لا أملك إلا أن أمنحهم تقديري وتحيتي على ما زرعوه في جيل لم يزل حتى في الوقت الراهن -وبعد أن رأى أن تضحياته تنهار وتذهب سدى- " يحب مصر" ..تحيـــةً خالصــــةً لهـــــــم ..!

و "حجـّــــــــا مبرورا أيهـــا الرجل العظـــيم"



الجمعة، ١٤ ديسمبر ٢٠٠٧

يا مقــاطعــي العــالــم ...اتـــحـــدوا..!!

لم تكن في نيتي أبــدا أن أحــول إحــدى جلسات الكــرسي إلى موضوع ينتقــد حملات المقاطعة المنتشرة منذ فترة , ربما كان لأنني لم أطبق ما جاء في أي من بنودها السبب الأكبر في ذلك ..أو ربما -لنكون أكثر صراحة- لم أمتلك من قبل الشجاعة الكافية لمواجهة المقاطعين و سؤالهم عن مدى التأثير الحقيقي للحملات الكبيرة والصغيرة على حد ســواء .. الآفــة التي تتملكني إلى الآن أنني لا أستطيع القيام بما أظن أنه سيعود علي براحة نفسية فقط دون أن تعم الفائدة على الجميع ..قد يختلف الكثير معي ويقولون أن آثــار الحملات واضحة للعيان ..لكنني إلى الآن لم أشهــد إلا كمية كبيرة من "إشباع الذات" وإرضاء النفس في إثبات أنها قادرة في تحمل البعد عن الملذات..لكـن هل حركت ساكنــا ..أو حلت قضيـــــــة ..!!؟؟في الآونـــــــة الأخيرة شهدت البلاد موجــة غضب تفاقمت وتعدت حدود الغضب لتصل إلى المقاطعة لرجل الأعمال الشهير "نجيب ساويرس" أحـد ملوك الاتصالات والمشروعات في أرجـاء المعمورة..لسنا هنا لكي نحلل ما قاله الرجل ..ولا لنناقش مدى انبهاري بعقليته الاقتصادية وجرأته اللامحدودة -مع أني لاأخفي أنها السبب في كتابتي للموضوع-ولست أهلا للتعليق على مدى جدوى الحملة وتأثيرها على حجم المشاريع التي تدور حول العالم ..ولكــن مع كل هــذ الاسترخــاء الذي يتملكني وأنا على كرسييّ اليوم ..لا أجــد بــدا من مخاطبة القائمين على تلك الحملات .." مع أنني لا أعلم من ذا صاحب الفكــرة..ولا من هم أصحاب التصنيفات والناشرين لها"يعـــود تاريخ بداية المقاطعات إلى بداية الألفية تقريبا ..وتحديدا مع الانتفاضات المتتالية ضد الاحتلال من قبل الفلسطينين..وكون الشعب متعاطف جدا مع القضية ..وكونــه أيضا يرى أنه لا حيلة له ..وأن أصحاب القرار يخذلونه مرة تلو أخــرى ..لم يجد سوى أن يعبر عن موقفه ..وكان ذلك - كما رأى أصحاب الرأي والمشورة - بأن قاطعوا المنتجات "الصهيونية ... والاستعمارية .. والامبريالية .. " وتبعها في ذلك ماحدث في "الدينمارك"..وموقفها الشائن تجاه المقدسات والأعراف الاسلامية ..كل هــذا ساعد على إنماء روح المقت الداخلي تجاه كل ماهو غربي ..وتنامت فكرة "نظرية المؤامرة " و"تصادم الحضارات" عن ذي قبل ..وساعد في ذلك الموقف السلبي تجاه القضايا التي تمس الشعور الغاضب..هذه السلبية لم تكن داخليا فقط بل وخارجيا..فكان أبسط رد فعل يمكن تقديمه هي هذه الحملات ..ورأى الناس أنهم إن لم يحركوا ساكنا فلن يقبلوا أن تكون أموالهم سيفا يستخدم في مجابهتهم والحرب عليهم..ولكن..لماذا لم أقتنع يوما بجدوى المشاركة في المقاطعات المختلفة ..؟؟هل لأنني لا أحب الردود الانفعالية ..ودائما ما أعتبرها غير مدروسة ..؟؟أم لكوني " برجوازي قديم" لا يستطيع الاستغناء عن المنتجات الخارجية ..؟؟أم أنه المؤرق الدائم لي ..والهاتف الذي يقلق مضجعي بأن الهرم لم يكن أبــداً ليُبنى من أعــلاه ..!!نعم ..ذلك الهــرم العتيد ..الذي نحلف به ليل نهــار ..ونعيش على ذاكرة أيامه..ونتشبث بتاريخه وعراقته ..لم يكن الفراعنة بكل سطوتهم وجبروتهم ليفكروا أو أن يخطر على بالهم أن يبدأوا بناء الهرم من أعــلاه.. فكافة ما تعلموه وجنوه من معرفة لم تسنطع قلب موازين القاعدة ..وليس ذلك فقط ..فحتى في الرسالات السماوية لم يبدأ الرسل أبــدا بمقاتلة أعدائهم ...بل كانت البداية دائما بالموعظة المبسطة والشرح المنير..ومن ثم نشر التعاليم السماوية و"ترسيخها " في أعماق المتلقين ..وبذلك يتبين للقاصي والداني من حولهم الحكمة من الرسالة التي بعث بها ..وعندها تقوى شوكة اصحاب الحق ..بينماتكون مخالفة ذلك ليست إلا عــدوانا وكبــرا ..فتنتصر "الارادة الحرة " عندهــا..وتكون الغلبة لأصحاب العقيدة "الراسخة" الذين تملك منهم الايمان حتى لم يعد هناك منفذ للشك ..أو التخبط ..كما نراه الآنفالغريب في الأمــر أنك تجد فيمن حولك من يخطب خطبة عصماء عمّا يُحاك ضد الأمة في الخفاء ..وهو لا ينأى بنفســه أن يستغل نفس هــذه الأمــة في التربح والافساد ونشر الفساد.. وهو يدعو الله أن يزيح عن البلاد ما بها من وباء وغم وحزن..؟؟!!!!!!!!!إن هؤلاء هم الأولى أن يحاربهم الناس والأولى أن يقاطعهم المرء ..كل من يغش ..أو يستغل منصبه ..أومظهره المتدين..أو وظيفته البسيطة.. في اغلاق أبواب الرحمة أمام الناس حتى تنقضي حوائجه "النتنة" ..كل هؤلاء أحق بأن يردعهم الناس ..وهم الأجــدر -في نظري- بمجهوداتنا التي ربما وقتها سوف تعم الفائدة ..عنــدها لن يكون هناك ما يقف عائقا بيننا وبين دعائنا ليُستجاب ..وصلاتنا لتكون حقة ..ليست مجرد أداء مظاهر تعبد .. وستصبح العادة..عبادةومن هنــا ..من هــذا الكرسي ..أدعو كل أصحاب الحملات للمقاطعــة للاتحاد في وجه الشرور الداخلية والتي نظنها صغيرة في حين هي سبب بلاءنا وهواننا .. أدعوهم لنقل الأمة من العشوائية والتخبط ..إلى مصاف الحضارات التي حينها ستستطيع أن تواجه وتصارع .. حضارات أخرى" قاطعوا المفسدين في الأرض" ..ينصــــــــركــم من في الســــــــــــــماء

السبت، ٨ ديسمبر ٢٠٠٧

عنــــدمـــا كانــت شعبــيــــة ..!!

كثيرا ما يسألني البعض عن سر تمسكي بكلمة " شعبية" في كتاباتي ..بل واصراري على ان تكون جزءا من عنوان المدونة ..في حين أنهم يرونني أتأفف عند نزولي بأحد الأماكن التي تنتسب إليها ..!!!
وهنا لنا وقفة مطولة ..!!
فالمناطق التي يشيرون لها -من حيث امتعاضي ونفوري- أدّعي أنها لم تعد تملك من " الشعبية " إلا اسمها ..
إنك ما إن تلج إلى أحدها حتى تقابلك روائح لا تستطيع تفاديها ..ربما لأنها تنبعث من المكباّت التي تحاول تفاديها وأنت تتجاوز هذا ..وتعتذر لهذا- الذي ينظر إليك شزراً- قبل أن يناولك لكمة في أم عينك..وأخرى تنتظرك أن تتجاوز الحصوات الملقاة فوق "بركــة" المجاري لتعبر وراءك..!!!!
ليست هذه "الشعبية" التي عنيت عندما شرعت في الكتابة..
حين أتذكر ما كان يُقصّ عليّ عندما كنت أصغر سنّا.. لم تكن تلك الحوادث تخترق القصة ..لم تكن" القمامة" تحتل هذا الجزء الكبير من حياتهم في ذلك الوقت ..!ربما لذلك نجد أن معظم الأماكن الشعبية القديمة لا زالت تحتفظ برونقها ..وحلاوتها..وطعم بيوتها..!!
هناك فرق كبير بين " الشعبية" التي أكتب من أجلها ..والتي أدافع عن أهلها ..وبين هذه" العشوائية" التي انتشلت كل معالم الجمال من مدننا والتي لن ينصلح حالها ..مهما توالت حكومات ..وتعاقبت بلديات ..لأن أساسها التخبط والاهدار و"اللانظام"..
عندما أتى انقلاب 52 العسكري ..تبدلت كثير من معالم الحياة في البلد ..وبعيدا عن الحركة السياسة شهدت الحياة الاجتماعية نشاطا وتقلبات سريعة ..لم تستوعبها البدائل المطروحة ..فبدلاً من أن ينعم الشعب - كما كانت الوعود القائمة - بالرخاء والنعيم ..تحولت الحالة تدريجيا إلى المركزية ..وأصبحت مصر كلها تنصب في العاصمة .. مما أثر على التوزيع السكاني والتكدّس ..واختفت الثقافة المدنية بأن وفدت عليها حياة جديدة لاهي ريفية قحّة..ولا تمت للمدينة بأي صورة ..
لست هنا بصدد تحليل الوضع اجتماعياً لكن لا بد من معرفة أسباب التحول من "الشعبية" التي كانت تتميز بها بلادنا ..والعشوائية التي أصبحت سمتها الأساسية الآن..
إن الفقر ليس عيبا..فعلاً كما يقولون في المسلسلات والأفلام ..لكن العيب كل العيب في قلة الترتيب النظافة المتفشية في ما حولنا ..الطامة الأكبر في أننا نتعايش في وضع أقل من تتحمله مخلوقات أدنى منّا رتبة ..الأزمة في أن السلبية امتدت إلى تكيفنا مع "العشوائية".
في بلاد كثيرة -عالم ثالث أيضا- تتحول المساحات الخالية إلى ملاعب يهدر فيها الشباب طاقاتهم بدلا من الاعتماد على إفراغها في أمورأخرى لاتحمد عاقبتها ..أو قد تتحول هذه الأماكن إلى ملتقى لأهالي "الحارة" ..أو أضعف الإيمان تترك خاوية إلى أن ينظر صاحبها ماالذي ينوي فعله بها .. أما أن تتحول إلى مكب للنفايات في قلب أعماق الشارع الذي يمر فيه الناس فلا تراه إلا هنا ..وأن يختزل الناس مجهودهم في وضع الحصى للمرور من فوق مياه عفنة راكدة غطت كل المكان فليس إلا وجها قبيحاً من أوجه السلبية ..
إن جهود الحكومات في إبعــاد الجمهور عن الحياة السياسية والعمل على إشغالهم في أنفسهم ..والبحث عن كيفية استخراج المصلحة من جاره او رفيقه الذي يجالسه في المقهى ..كل ذلك عاد بالسلب عندما لم تجد هذه الحكومة ما تكبح به هذه المسألة ..ولعلهم لم يعودوا يكترثون بكل هذا فهم هناك في بروجهم العاتية العاجية..يراقبون حلقة المصارعة الحرة التي يقدمها ويلعب أدوارها "الشعب"..
كل هذه الأمور تتمحور حول أن حياتنا كلها انقلبت إلى عشوائية ..حتى امتدت إلى الأماكن التي نعيش فيها..ونأكل بها
أما " الشعبية" التي أنشد عودتها فتتركز في الأماكن القديمة ..تلك الأماكن التي تشم فيها رائحة التاريخ..الأماكن التي تحكي لك جدرانها "حواديت" صبية جمعوا مزيجا من خيوط واسفنج ليصنعوا كرة "بسيطة" تكون شاهدا على المهارة والفن.. وبنات بعثن بدلالهن وروعتهن الروح لهذه الحواري..
أمــا إذا ضاقت بك المدينة كلها بحواريها ..وأزقتها ..وشوارعها..وأردت أن تهرب من دخانها الخانق..
فأنا ادعوك لتشاهد الشعبية على حقيقتها في بلدتي الصغيرة في أقاصي البلاد..لتشاهـد البساطة ..والأناقة..والحياة .......
عندمــا تجلس على تلك "الحصيرة" ليأتي لك المــاء في "كوز صغير" تشاهد إنعكاس السمــاء في جوفه المتلألئ..
بينمــا.. تتجســــــــد " الشعبيــة"!!


الجمعة، ٣٠ نوفمبر ٢٠٠٧

"هي فوضـــــــــــى"....عندما يكتمـــــــــــــــــل الترتيب !!

بالطبـــع لست ناقدا فنيــاً..وحتى لو ادعيت فلن تكون بدايتي النقديــة لفيلم "ليوسف شاهين " ..لكن من حقي -الذي يكفله لي" القانون"- أن أبدي رأيي كمشاهد ومتفرج "شعبي" خالص .. اتخذ مكانه بين " الكراسي" لمشاهدة آخر ابداعات"جو"..
يمكننا تلخيص كل الابـــداع واللوحــة الجمالية لهذا الفيلم في جملة واحــدة " أنك تحس أنك قد خططته بأناملك" .. فالضحكات والصفقات التي صاحبت لقطات الفيلم كانت تعبّــر عن موقف مر به المشاهد في مكان ما في.. زمان ما.. أمام "سلطة" ما.. أو ربمــا كان الاحســاس بأن "جو" قد أتى بالشارع إلى الشاشة ..جلبه بعنفه وتسلطــه وحتى في بذاءاته ..وأكثــر ما لفت نظــري في الرسالة التي يوجهها أننا جــزء من هــذه التركيبة بصمتنا وتخاذلنا وهواننا ..ولعلّــي أختلف مع الرد الواجب تنفيــذه والذي أورده في نهــاية فيلمــه ..ربمــا كان ذلك لتأثري الشــديد بقصــة"غــاندي".. الرجــل الذي أسقــط بهدوءه ومبادئه "التاج البريطاني" بجبروته وسطوته ..وأجبره على النزول من عليائه ..وكان المبدأ الذي قامت عليه سياسة الاجلاء.."اللاعنف" وعادت بها -بعد جهد جهيد وصبر مديد- "جوهرة التاج البريطاني" إلى أيدي أبناءها ..وحتى لا يطول التساؤل بنا عن كيفية اتباع سياسة "اللاعنف" ..فالبون بينها وبين "السلبية" شاسع.. فالسلبية تتمثل في الوضع القائم الآن بيننا ..والذي نشكل جزءا لا يتجزأ منه ..وللتغيير بدلا من تكسير المنشآت والرد على الاعتداء بالاعتداء وترديد " ما أُخذ بالقوة..إلخ" من شعارات الحنجوريين العظماء الذين كانت لهم اليد الطولى في ما آلت إليه أحوالنا الآن ..تعتمد سياسة "اللاعنف" على أن تجبر الآخر على أن يسير على نهجك ومبادئك السوية ..حتى لو كلفك ذلك خسارة "لحظية" ..تتطلب قوة ايمان بالقضية دون الحاجة إلى استخدام وسائل التخريب والتشويه في ايصال رسائلنا ..فمهما كانت قوة استخدامه لسطوته ..فلن يدوم ذلك سوى فترة -ولو طالت- حتى يعود أدراجه منكسرا مخذولاً..يطبق ما تعارف عليه سابقونا ..الذين كان الرجل منهم يخسرالنفيس من ماله ووقته ولا يطأطئ رأسه لمذلة وتحقير من سلطة أكبر..
لي صديق -مع اختلافاتنا الفكرية الكثيرة- يرفض رفضا قاطعا أن يتملّص من أي غرامة أو مخالفة مرورية" بالعشرة جنيهات" في يد أمين الشرطة ..ويصر على تحرير المخالفة ودفعها حتى لو وصلت إلى خمسين ضعفاً من "الشاي" الذي كان سيعطيه للأمين المستغل المرتشي..
أوردت قصتي هــذه حتى أوضح مدى الفــرق بين "المقاومة الثــوريــة" و"المقاومة الشعبيــة "..فالثوريون يريدون ان يحققوا هدفهم للوصول إلى أقصى حالات الإشباع الذاتي والرضى عن النفس ..والطمأنينة بعد أداء الواجب..لــذا نراهم دائما يستعملون عبارات من طراز "بالروح بالدم.." "حتى آخر نقطة دم".." دماءنا فــداء ....
"أما "المقاومــة الشعبية" فهــدفها أن يصل الشعب إلى أقصى درجات الحريــة والعدالة ..والكـــرامة !!
وربما كانت لنشــاة "جو" وسط أجواء "ثورجية" آثارها في اختياره للمنهج "الثوري" في خطابه..
لكنني أكيد أن همّه الأكبر هو "الشعب" بكل ماتحمله الكلمة..ويرى أن هذا السبيل هو خلاصه الذي ينشده..
فالشعب -بطبعه- يميل إلى السلم والسكينة ..لكنه يتخاذل عن المطالبة بحقوقه ..ويسمح للغير -أي غير- أن يعبث بما هو له كيف يشاء..ليس لرضى منه ..ولكن لأنه قـَـبِِل أن يعيش منكسرا ذليلا..حتى يحس بأن الكيل قد فاض به " وبلغ السيل الزبى" فيستعر غضباً ..مشعلا نارا تأكل الأخضر واليابس ولاتذر له من حقوقه وأرضه سوى الرماد..
ألم يعِ أهل هذه البلد أنه لا يحق لهم أن يطالبوا بحقوقهم السياسية " من انتخاب ومعارضة وما إلى ذلك" قبل ان يغسلوا أرضهم وأن يزيلوا عنهـا ما دنّسهــا من رشــوة ..وتسلــط..وفســاد ..........وتخاذل
شكـرا " يوسف شاهين" ..شكـرا "خالد صالح".. شكــراً لأصدقائي الذين رافقوني ولم أستوعب نسبة ليست قليلة من الفيلم بسبب ضوضائهم..

الأحد، ٢٥ نوفمبر ٢٠٠٧

أنــا "بوليس" ..واللصـــوص..!!

رغم العهد الذي قطعته على نفسي بألا أخصص أي من لحظات الصفاء على هــذا الكرسي للتفكير في السياسة ..ربما لأن هناك من لا يألون جهداً وعرقاً في هذا الخصوص ..أو ربما لأنني أراها أوضع من أرهق ذهني بالتأمل والبحث عن حلول لها..ولكن بعد جلسات متقطعة اكتشفت انني فشلت "ذهنيا" في التفريق بين الوضع السياسي وبين الوضع الاجتماعي والشعبي..فالصلة أوثق مما كنت أتصور أو أتخيل ..وأعمق تأثيرا من أن ننحيها جانبا عند البحث في الهموم والمؤرقات التي ترسبت وتلاصقت حتى تعملقت مكونة جبلاً من السلبيات يحتاج لأكثر من مجرد كلمات ونصائح لازالته..وأعترف أن هذا الاكتشاف لم يأت بمحض الصدفة أو من خلال جلسة منفردة إلى النفس..بل بالبحث والمتابعة للمجريات ..وسأسمح لنفسي بأن آخذ القارئ في جولتي تلك علّنا نجد سوية موطن العلة في كل هذا ..لن نذهب بعيدا جداً بل إلى حقبة قريبة من حياتنا .."الناصرية" ولن أتحدث هنا إلا إلى أعداءها عن :ماهي زلات الحقبة" الناصرية"..وغالبا ستتمحور الاجابة حول : الديكتاتورية والاستبداد..و"الحنجورية" الزائدة ..وننصرف مقبلين لنتعثر خلال ذلك بحقبة أقرب .."الساداتية" ويتضح من معارضيها أن التفرد بالرأي كان مستمرا ..صاحبه غموض في القرارات ..وربما ادعى البعض وجود تخبط أيضا في ذلك ..وتستمر رحلتنا إلى أن نصل إلى المرحلة الحالية ..ولكن
في طريقنا إلى هنا كان بحوزتنا أمر التفتنا جميعا إلى أمور شتى ولم نتنبه إلى أننا نفقده شيئاً فشيئا..لم نلحظ أن هناك أجيالا لم تعشها حتى هذه اللحظات ..لم نرى أنفسنا ونحن نُسقط درع الكرامة عن صدورنا ..لنصبح عاريين أمام رماح عديدة ..وسيوف ذل ومهانة أبتر من أي سيف في الحرب
لست من محبذي نظرية المؤامرة ..وعلى العكس أرى أنه مهما بذل الآخر من جهود فلن يستطيع إلا بجهد منك أن ينال مراده ..وهو ما قام أفراد منّا به ..ظنّا منهم بأنهم بذلك يستطيعون فرض السيطرة وإخماد روح الحماسة لدى الشعب ..حتى تطمئن نفوسهم إلى صمود الكراسي..وكراسيهم ليست ككراسينا ..نقصدها بحثا عن متكأ فكري وعقلي..بل هي كراسي تسّخر صاحبها حتى لا يصبح له هم سواها..
وإذا تساءلنا لماذا وصل الحال بنا إلى الخمول واللامبالاة هذا الحد ..هل عرف الناس فجأة أن السياسة لها أهلها..؟؟أم هل اكتشفوا أن كل جهدهم لا طائل له سوى ضياع الوقت ..أم هل نجح أصحاب الكراسي في صرف الناس إلى قوت اليوم ..؟؟
لعلها الأسباب مجتمعة..وأنــا لا أدعو إلى حراك سياسي جم..ولا أناشد بفعل أمرما..أو حتى تركه ..لكن هناك اتجاه شعبي كامل إلى "اللاشيء"..لا أحد يهتم ..لا أحد ينتظر ما ستؤول إليه الأحداث..بل إن هناك أجيالا شابة كاملة لا تطالع نشرة الأخبار ..ولا تنتظر وقائع مؤتمر أو جولة سياسية..ويستعيضون عن ذلك بأشياء أخرى إيمانا منهم ان ذلك ليس شأنا يصلح للمتابعة ..بل هو لكبار السن أوللمتخصصين..أولعلهم هم على حق وفهموا "اللعبـة" مبكرا بدلا من تضييع وقت في أمور كهذه..
وكأني بهم يشبهون ذلك الشيخ الكبير الذي شارك في حروب عدة يطلب من حفيده أن يتخلى عن مقاومته قبل أن يخيب أمله في النهاية..بعد ان نال كل حظه من "الكعكة" ..وكان نصيبه بضع ذكريات ..وبطولات ..وكرامــــة "مســـروقـــة"
وأخيرا أترككم مع كلمات تصور محاورة الشيخ لحفيده :

يابني أرم الحجر
ربما ذات يوم يسألك سائل
لم ألقيت حجرك
لم أسكت نبضك
فأخبره بأنك لم تعد تجد
من وراء ذلك طائل
ولا تنسى وأنت تجيبه..
غض البصر
* * * * * * * * * * * *
يابني ارم الحجر
في بلدتي يا بني جُل
الحديث عن السلام
إننا نهوى الكــلام..
بلا طقوس أو احترام
يابني إننا مسلمون
ملتزمون..
متزمتون..
نفني حياتنا في الخطب
هذا حلال..وهذا حرام
لكننا إن لم تجد خناجرنا
من تقاتله
كانت حناجرنا تبارز الإسلام..
يابني إنا بـشـر
* * * * * * * * * * * * * *
يابني ارم الحجر
إننا يا بني أمة
كانت تسمى بالعرب
غنوا ورقصوا لمجدهم
حتى توارى واحتجب
المجد ضاع..
والكل بــاع..
لا تسألن عن السب
أولا تؤمن بالقدر..
* * * * * * * * * * * * * *
يابني ارم الحجــر
فجساس قد قتل كليبا
قالو: إذن فجساس هو الباغي
جساس قد قتل كليبا
لكن كليبا كان قد جلب لنا
ما لا نطيقه
لانستسيغـــه..
جلب السلام
وجلب الأمان..
وتلك جريمة لا تغتفر
* * * * * * * * * * * * * *
يابني ارم الحجر
انهم من طالبوا برأس
لم يرد سماع صوت اليمامة
من ذهب إلى الأعادي ممسكاً
غصن زيتون..وحمامة
وهم الآن يذهبون
ويأكلون..
ويرقصون..
وينحنون

ولو كنت مكانه لجعلتهم
يقاتلون..
ويقاتلون..
ويفنون..
فجلب السلام لهؤلاء قلب الخطر
* * * * * * * * * * * * * *
يابني ارم الحجر
ما يبكيني يا بني
أنني لا أعارض حربا
لكنهم لا يريدون
حرباً.. ولا سلماً
ولا مواثيق
ولا نصوص
إننا نخشى الجميع
..من هم فوقنا
أو من هم دوننا
نسير كالقطيـــع
أما بيننا..
عــاهد..فما أسهل النكــوص
إننا لسنـــا أمــة
بل قد تكون..
لكنها أمةٌ ..من اللصوص
يحكمها -من غيرها- من ينتصر
* * * * * * * * * * * * * * * *
يابني فلتستمع لنصيحتي
وألق حجرك
أو لا....لا تلـــقه
فلربما ارتد إلى حجرك
فنحن من يقول
الزارع يحصد مابذر
فلا ترم الحجـــر

الجمعة، ٢٣ نوفمبر ٢٠٠٧

لمـــــــــاذا ...تصلي !!؟؟؟

كــان الدين فيما مضى يحتل موقعا ثقافيا وتربوياً جميلا ومساهما فعالاً في التكوين الشعبي -والرسمي- لهذا البلد..حيث كــان الالتزام الديني -في تلك الآونة- مبعثا للتوقير والاحترام المتبادل بين "الشيخ" وبين جيرانه والمحيطين به في مجال عمله بل وحتى أثناء تجوله في أرجاء المحروسة كانت تحيط به هالة الوقار والاحترام التي يخنع أمامها أعتى القساة والمجرمين ..فحتى هــذا "ذو السلوك الشائن" لديه اعتراف ضمني بالصلة التي تربط هــذا الشيخ " الملتزم" بربه ..وذلك ما يمثل خطّاً أحمراً لا يجوز الدنّو قريبا منه..نتذكر هذه القصص التي لم يعاصر الكثير منا إيّــاها إلا في ما يُروى ويُسترحم عليها من قِبل من عاصروها ..نتذكر هذا ونحن ننظر حولنا لنرى ما آلت إليه أحوالنا ..وكيف كان تقهقر الفكر الديني من العوامل التي أدت إلى انهيار قيمنا وثقافتنا وأحوالنا العــامة ..نحن لا ندعي أن الأيام الخوالي كانت جميعها صفحات بيضاء ..ولا نطلب أن تصبح أيامنا هذه كأيام الهجرة ..فعديد المتغيرات النفسية والعقلية لا بد أن ترمي بثقلها على عاتق الزمن ..وبالتالي تصبح الرغبة في الحصول على مجتمع يماثل الأجيال الأولى من الرسالة ضربا من المستحيل ..والجنون..كما أنه يجب علينا ألا نغفل أن لمصر طبيعتها الخاصة وهو ما لا يحب العديد من أصحاب التوجهات الحديثة -دينياً - الاعتراف به..فنحن -شئنا أم أبينا-دولة كانت وستزال تعيش وسط مختلف الاتجاهات الفكرية والدينية التي لا بد أن تتوافق فيما بينها للوصول إلى الغاية من صلاح الحال الدنيوي الذي يجمعها في بوتقة واحدة .. ولكن لنركن إلى كرسيّنا قليلا لنسترجع الأسباب التي أدت إلى هذا الانشقاق حتى فيما بين أصحاب التوجه الديني الواحد - كما كان يفترض بهم أن يكونوا-وكيف أصبحوا يقذفون بعضهم البعض بالتهم التي قد تصل في بعض أحيانها إلى الإدعاء بأنه لاينفذ تعاليم دينه كما ينبغي..
تكمن المشكلة-في اعتقادي - عندما تغير الخطاب الديني عمّا كان عليه ..ولست هنا لكي أعيد كلمات قتلت بحثا فيما سبق عن تحديث الخطاب الديني..بل نحن هنا لتبيان أن المضمون في حد ذاته أصبح يختلف كليا عمّا كان مألوفا ..فمن المعروف أن الخطاب الديني قديما كان يمس جوهر الناس ويبعث على بث روح الطمأنينة الممزوجة بخشية الله في الأفعال كلها ..وهو ما يحقق المعادلة الصعبة السهلة في " التوسط" الذي جاءت به التعاليم الدينية ..ويأتي الاختلاف إذ نظرنا إلى الخطاب الديني الحديث والذي يركز في معظم أركانه على الناحية الشكلية فقط..مغفلاً الجانب الروحي إلا نادرا " لحفظ ماء الوجه" أو تعودا على ذكرها ..دون التطرق إلى كون هذه المفاهيم هي ما تنشئ مجتمعا نظيفا ..قد فهم ووعى المضمون الذي بنيت عليه شريعته ..وهو ما يختلف عما كان عليه سابقا ..وهذا دليل على أن نجاح هذه الأفكار في مكان ما ليس دليلا على نجاحها في آخر..وحتى لا يتهمني " أحد بالتجني ولأنني أحب دائما أن تكون أوراقي التي أستند إليها هي صفحات أروقة الشارع والمجتمع"..فليس شك أن نظرة خاطفة إلى اختلاف النظرة المجتمعية لرجل الدين
أثرها في التكوين الشخصي لهذا المجتمع ..وأصبح الهاجس الذي يصاحب مرافقة الشيخ هو ما يحل محل التوقير والهيبة الذين كانا عنوانا لمشايخ زمن فائت ...وإذا نحينا جانبا سببي تدنّي المستوى الثقافي والاجتماعي العام ..وكذلك إسهام الأعمال الفنية في النظرة العامة تلك ...فلا يجب علينا ان نغفل أن هناك دور لأصحاب القضية في ذلك ..وليس ما عاناه الناس من أعمال التخريب منذ وقت ليس ببعيد إلا من هذه الأسباب..وأيضا ذلك الإحساس الشعبي بأن الفجوة قد اتسعت إلى مدىً لا يمكن تداركه ..حيث يصل إليهم -وربما عن دون قصد- ان هناك حد فاصل يشبه مقولة الحكومة الأمريكية " من ليس معنا فهو ضدنا" ..واختفت تلك البسمة التي كانت تقرّب توصيل المفاهيم الدينية إلى مدارك العامل البسيط ..والموظف الذي لا يجد متسعا للبحث في أمهات كتب السنة..والطالب الغافل الذي ينتظر أن تنتشله نظرة حانية من غياهب التخبط بين مرافىء شتى..أصبح لا يصل إلى بال هؤلاء -والذين أمثلهم متحدثا- إلا أن هذا الشيخ لن يطلب مني سوى أن أطلق لحيتي ..وأقصر ثوبي وأن ألتزم بأداء فرائضى في أوقاتها وإلا.............................و"إلا" هذه مربط الفرس..فقبل " إلا "يجب أن يعرف المتلقي لماذا يؤدي هذه الفرائض..لست أعترض هنا على من يلتزمون ويدعون إلى هدي المصطفى "صلى الله عليه وسلم" ..لكنني أدّعي أن ما يهمني شخصيا أن يدرك الشخص لم عليه أن يكون ملتزما وليس أن يريني هذا الالتزام..فعندما تصل أهمية ما يقوم به إلى روحه ستظهر أبعادها وآثارها على مظهره الخارجي ..عندها سيقوم باتباع السنة عن وعي وفهم..وليس العكس..عندما يدرك الفتى لماذا يصدق في قوله.؟ لن ينحدر به الحال حتى يصل إلى المخدرات..عندما يدرك الموظف لماذا يصلي..؟؟عندما يدرك أن الصلاة ليست فقط مجموعة حركات تؤدى في وقتها..وعلامة في منتصف الرأس ..عندها فقط لن تصل يداه إلى ما حرّم ربه..عندها يصل إلى مرحلة اليقين ..عندما تكون لغتنا روح الدين ..سترتقي آداب الحوار فيما بيننا..ربما يغضب البعض من هذه الكلمات ..وربما يغضبون أكثر عندما أقول أنني لا

يهمني أن تصلي.. بقدرهمّي أن تعلم لماذا تصلي ..فالعادة قد تنقضي يوما ما ..لكن العبادة خالدة بخلود الايمان

الأحد، ١٨ نوفمبر ٢٠٠٧

الكــــــــــرَة ...والهـــويـة

لم أكن لأتوقع أن تتطلب مني فترة العودة من جديد كل هذا ..فبعــد عديد الاخفاقات الشخصية والاحباطات المتتالية تكللت " بحمد الله" بخســارة العرس الافريقي وما تخلله من ظروف وأحداث لم تكن - من وجهة نظري - لتفيد النادي بأي حال من الأحوال ..لأن لدي إعتقاد راسخ منذ الطفولة أن الفرحة هي فرحة الحدث ..والاحتفال اذا لم يكن في وقته فلا طائل له..ولكــن ..لم أورد هــذه الأحــداث لذكر سبب الابتعاد فقط ..ولا طلبا لمشاركة وجدانية ..فأولا لم يسألني أحد تبريرا لابتعادي..كما أنني أعلم أن كل من تمر هذه الكلمات أمام عينيه له من المصاعب حظ ليس باليسير..بل لأن هناك كما قلت مواقفا تخللت الحدث ..وأمــورا بينت أن كــرة القـدم مـرآة لنا ..ولحيــــاتنا..
استوقفني تساؤل ورد في أحد البرامج التحليلية لكرة القدم سأله الناقد المعروف "حسن المستكاوي"لأحد ضيوفه : ما نوع الكرة التي نلعبها ..أهي لاتينية مهارية ..أم أووربية خططية ..؟؟!!وهنا رد الضيف :حتى وقت قريب -منتصف الثمانينيات- كنا نلعب كرة مهارية لاتينية ..أما الآن فلا أستطيع ان أتبين حقيقة نوعية الكرة التي نلعبها."..وهنا لا بد أن يتبادر إلى الذهن سؤال يتكرر كلما مر بك حوار كهذا : أهي حال كرة القـدم فقط ...!! هل هي حالة اجتماعية انتقلت عدواها إلى الملاعب الخضراء وكواليسها ..؟؟ أم أننا شعب يعشق كرة القدم إلى درجة أننا نتأثر اجتماعيا بما يطرأ عليه من تغيّر
حقيقةً إنني هنا أقدم اعترافا بانني كنت ضمن المشتركين في "موضة " العولمة ..بل كنت من أكثر القائلين بأن الثقافة القوية والهوية المترابطة لا تتأثر بمثل هذه الأحداث ..وغفل عن فكري دراسة الشخصية المصرية
تلك التي أضنت فكر ومجهود علامة مثل "جمال حمدان "..ظننت أنني أستطيع أن أختزل كل المعلومات عنها في عدة أبحاث صغيرة متفرقة ..ونسيت أن الأوراق لا تصلح في مثل هذه الأمور إلا لنيل درجة علمية أو لملء بعض صفحات خالية لجريدة قومية عريقة ..إن جولة صغيرة في أروقة الشارع المصري العتيقة تحدثك جدرانها بأنها تقبّلت وتقلّبت في كل أشكال وألوان الحياة الجديدة التي تهل إليها من كافة بقاع الأرض ..فمن فراعينها العظمــاء.. لهكسوسها الغازين ..مرورا بقبطها القاطنين ..وعربها الفاتحين ..بما في ذلك من دول عثمانية وفاطمية ..وملكية وجمهورية ...ولا ننسى الأثر الكبير والجليّ في ما خلفته آثار الأقدام الفرنسية والانجليزية في هذه البقعة من الأرض..وهنا أقــدم نصيحة لكل من قد "تسوّل" له نفسه أن يبحث في سبر أغوار هذه العقلية .."أن يُلــمّ بكافة جوانب هذه الأحداث قبل الشروع في ذلك " ولكن إذا كان لابد ..فلنقم بدراسة سطحية بسيطة وسريعة ..ولنقلب صفحات التاريخ لنرى "كيف استطاعت مصر أن تتقبل كل هذه التقلبات في الحكم ..وأن تحتضنها ..تاركة لها المجال لتضع بصمتها ..ومن ثم تستبدلها بوضع آخر وثقافة أخرى مغايرة" ..وهنا سوف تتجلّى لك الشخصية المصرية بدهاليزها وأعماقها ..فهــذا الشعب هو من نوع نادر جدا بل هو الوحيد
الفريد من نوعه - وربما كان ذلك ما أغرى كل هؤلاء بالقدوم ومحاولة السيطرة عليه- ..وهذه النوعية أطلق عليها في جلساتي وأحاديثي " الناقم المطواع " فهو على طول الخط ناقم على ما حوله " ظروفه -أقداره- عمله-أسرته- حكومته- مجتمعه" إلا أنه يكون "مطواعا" لأي شكل من أشكال الحكم الذي يقع تحت سيطرته ..ربما يكون في الموضوع بعض التعقيد ..لكن بالنظر بتمعن نجد أن هذه الشخصية لا تستطيع أن تحيا بدون انتقاد..هو انتقادي بطبعه ..لكنه مسالم أمام السيطرة الأعلى منه منفذا للأوامر بحذافيرها ..لا يحيد عن الخط الذي يُرسم له..تعود أن يجد من يقوده ..من يعمل له ..من يفكر من أجله ..وما عليه إلا أن ينتقد هذا الآخر..لكنه أبداً لا يحيد عن الهوية التي يريده الحاكم وشراذمه أن يكون عليها ..ومن هنــا تبينت خطأي الشخصي -كما ذكرت آنفا- في عدم اعتراضي على مفهوم العولمة لرؤيتي-حينها - أنها سبيل جيد لعدم التقوقع ..وللتجول بين ثقافات ورؤى أخرى جديدة ..ومفيدة..وليتني بذلت جهدي للتصدي لتلك العولمة ..ليت العديد منّا استمع الى الأصوات التي درست نوعية العقلية التي حوله..فبدلا من أن تذوب تحت إمــرة سلطة جديدة ..تركنا المجال لأكثر من ثقافة ..فباتت تائهة ..هائمة..لا لون فيها ولا رائحة ..ولم يكــن ذلك بفعــل فاعــل ..بل لغيـاب الفاعـــل

لقد ساهمت مع العديد من المطلعين ليس في تهميش هــوية الشخصية المصرية ..أو طمس معالمها ..ولكننا ساهمنا في

توضيح أنها فقــدت التبعية ..وبات عليها أن تبحث وتناضل من أجل أن تجد لنفسها مكانا في ما يسمى "صراع الحضارات" "أو صراع الثقافات" أو أي صراع..المهم أنه أصبح من الضروري أن تصارع..أصبح على هــذه الهويـــة أن توجــد لنفسها "هـــوية"...لا أن يصنعها لها أحــد

الثلاثاء، ٦ نوفمبر ٢٠٠٧

بـــــــــــــلدهم ....!!بتتقــــدم بيــنـــــــــــــــا

لم أجـد بُــدّا - على الرغم من رغبتي في البعد عن أحاديث السياسة - في التطرق إلى ما جـاء في المؤتمر المنعقد للحزب الحاكم هــذه الأيــام..حيث أنها تلقي بظلالها هــذه المرة على عــدة جوانب ألمسها في أرجــاء الشوارع والطرق "وحواري" ومقاهي المحروسة ..وبل قد يكون السبب الرئيس أنني لم ألمس مثل هذه التوجهات في التخطيط من جانب القائمين على الحزب من قبل ..لست أعني توجهات نحو تحديث البنية التحتية للبلاد لصالح شبابه ومستقبلهم .... لكنني هنا أتحدث عن لغــة الخطاب ..فقلما "أو لنقل أنه لم يحدث من قبل"أن أعجبت بأحد خطابات الحزب .. و طرق طرحه لأفكاره الغــراء ..التي نعرف مسبقا بأنها" لم ولا ولن "تحدث ..ولسنا هنا من أجل مناقشة ذلك ولكن لأن توجهات الحزب الخطابية" باتت تجابه لغات الخطاب العالمية ..بعيدا عن كل ما تعودناه منهم ..وربما كان لتطبيق الــ"فكر جديد"أثره في هذا ..فالسادة القائمون ذوو طرق تعليم مختلفة ..واطلاع أكبر من سابقيهم - الذين أصبحت الرفوف مكانهم الطبيعي هذه الأيام-..ولأن الشباب الآن يستطيع التجول في عالم الاتصالات المحيطة به .وبعد أن تبدل الهواء من حولهم ..لتحل بدلا عنه" موجات كهرومغناطيسية "تصطدم بالأجساد والعقول ..وأصبحت تستحوذ على جُلّ اهتمام العديد من الشريحة الشبابية ..بات الانتقال من اللغة " المتعالية" القيادية ..إلى لغة " أخوية" هي أقرب إلى الاستجــداء منها إلى خطة عمل ..ونجحت فكرة رمي الكرة في ملعب الشباب ..حيث أن معظم الشباب أصبحت لديه كمية من اللامبالاة أرّقت الحزب إلى درجة أن يجعلها ضمن برنامجه الخططي ..وهنا استوقفتني خاطرة غريبة بعض الشيء ..فمنذ متى كانت الحكومة - ولست أخص بالذكر حكومتنا- تبذل الجهد في توعية الشباب بضرورة التحرك والعمل والبحث عن فرصة ..وهل وصل مدى الاحباط لدى الشباب لدرجة تلفت نظر الحكومة إلى وجوب التحرك ..؟؟!!وهنا تيقنت مدى خطورة الحالة ..فإلى وقت ليس ببعيد كان كل هم الحكومة أن يبتعد الناس عن" الكلام في السياسة "حسب التعبير السائد ..وكان الشغل الشاغل إلهاء الناس بالبحث عن لقمة العيش ..ووضعهم تحت طائلة الفســاد حتى بات كل ما حولنا فاسدا ..وكما يقول أحد الأصدقاء "إن الدولة تبحث عن طريقة تجعلك بها فاسدا حتى لا تتسنى لك الفرصة لمحاسبتهم "" وكما قيل " يا عزيزي ..كلنا لصوص" ..فمن أين أتى الشعور الحالي بوجوب التحرك نحو مخاطبة همم الشباب وعزيمتهم ..؟ ..منذ فترة وضعت أمام ناظري فكرة ألا أنظر للحكومة على أنها كائن هلامي يتحكم في مسار أمورنا ..ولكن من منظر آخر هم " مجــرد أشخاص وأفراد من صلب هذا الوطن ..وكِّــلوا بمناصب لأداء مهام لهم ..فشلوا فيها إما بغرض تحقيق مآرب شخصية ..أو لقلة حيلتهم في مثل هذه المواقف ..فهم أولا وآخرا أشخاص مثلهم كمثل أي موظف صغير فاسد ..وليس للسلطة أي فارق في المحاسبة من وجهة نظري الشعبية المتواضعة .. وهؤلاء "الأفــرادالكبـار" إما أنهم يخشون ألا يجدوا من يدافع لهم عن ملكياتهم الخاصة وصروحاتهم التي بنوها وتعودوا أن يجدوا من يسهر على حمايتها ..وبالطبع وسط هذا الخمول العام الذي ينتشر بين الشباب لن يستطيع القادة توفير الحماية الخاصة ..أو ربما أنهم يخافون أن تنقضي فترة " القط والفار" التي تعودوا عليها مع الشباب الذي صار لا يبالي بمن أتى ومن توّلى ..فبذلك لن يكون هناك طعم للحياة السياسية في ظل هذه الظروف ..وفي كلتا الحالتين رأى القائمون ضرورة الحركة السريعة حتى لا يخسروا جنودهم الذين يجب أن يبذلوا يوما من الأيام الغالي والنفيس ..للذود عن ممتلكات وثروات هـــــــذا الـــوطن ..وطن الحزب والقائمين على الحــــــــــزب
حتى لا نظل في مرحلة الهروب من " كيف يفكر شبابنا"؟..هـذه المقالة عصـارة أحاديث جانبية على مضض ..من قِبل شباب وتصوراتهم حول المؤتمر ..وليست سياسية بحتة . . .,

الجمعة، ٢٦ أكتوبر ٢٠٠٧

الدنيـــــا ..وأولاده

لم تتشكل لدي صدمــة حين أخبرني صديقي أن والده" الرجل المحترم"قد ضحى بموقع متميز ناله عند عودته إلى عمله بعد فترة غياب ليست بالقصيرة في بلاد لا يزال البعض يدعي أنها ما زالت تقبع في بؤر التخلف واللافكر ..ما ضحد تعجبي معرفتي بالسبب الذي من أجله رضي بأن ينال ما هو أقل من إمكانياته وخبراته..كل ما في الأمر أن" الرجل "أبى أن يستغل موقعه في تحقيق مآرب وغايات دنيا لا ترقى لمستواه العلمي والأخلاقي والديني..ولست هنا لكي أوضح مدى رفعة مثل هؤلاء الرجال ..فهناك أناس لا نستطيع حتى الإعجاب بهم ..ربما لأنني تعودت ان أعجب بمن بذلوا قصارى جهدهم لتحقيق المنتهى والغاية ..لكن قناعتي هنا بأنه لم يبذل أي مجهود يذكر لمقاومة الإغراءات المنصوبة أمام ناظريه ..لم تكن هناك أي دواعٍ ضرورية أو احتياجية أو حتى أمنية ..تدعوه إلى مجرد طرح الموضوع للمناقشة ..وذلك لأنني أعرف امثال هؤلاء الذين تدلهم فطرتهم إلى الحل والسبيل ..هم سرعان ما يتبادرون إلى ذهنك لدى تلاوتك " وأَصْحَابُ اليَمِيْنِ مَا أَصْحَابُ اليَمِيْنِ" ..هم عرفوا قيمة الأغراض الدنيوية الحقيقية ولم يعطوها أكثر من حقها ..ولكنهم في نفس الوقت لم يتخاذلوا عنها ولم يتكاسلوا ..منحوها كل ما يمكلون من أرق وعرق وبذلوا أياما في السهر وساعات من الجهد إلا أنهم ظلوا على إعتقادهم بقلّتها أمام ما يؤمنون به ويلتزمون بتطبيقه ..فأعرضت عنهم الدنيا- بعد أن منحتهم مكافآت تقابل المجهود المبذول لا أكثر- واستقامت مستقبلة آخرين
والآخرون هنا هم سبب ركوني إلى الكرسي اليوم بعد أن كنت أنوي قضاء بضع ليال في الراحة والسكون..الآخرون هم من أحبوا الدنيا بكل طاقتهم فإما اعطته وإما تولّت .. من انحنى أمامها فاغرا فاهُ لكل صغيرة و كبيرة تقربه إليها..وسعى إليها وجوارحه جاثية علّها تمنحه الفتات لا ليقتات فقط ..لكن ليسد شغفه الذي لا - ولن- ينتهي أمام مغرياتها .. وهذا ليس بالجديد علينا سماعه ..لكن الجديد والغريب وما أرّقني بالأمس عندما دار حوار بين صديقي هذا وبيني تخلله سؤال عن ظروف عمل والده في الوقت الراهن ..فبادرني بأنه يمر بحالة نفسية سيئة ..واحباط جم..لما آلت إليه احوال من حوله ..وكيف صغرت قاماتهم أمام أنفسهم قبل أن تهون أمام الغير ..وكانت الطامة الكبرى ما أخبرني به عن سؤال والده لأحد زملاءه عن سبب استغلال المكان في التكسب والتسيب والنهب ...إلخ مما يطول شرحه ويصعب فهمه..فما كان من صاحبنا إلا ان اخبره ان ذلك يدخل تحت بند" إنه رزق لأولادي ..اقتسمه الله لي"..وهنا كانت الفاجعة ..هنا قـُـصِم ظهر البعير بدون قشة..و أي قشة بعد هذه الكلمات التي خرجت كرصاص النيران الصديقة - والغير صديقة- لتضرب سنيناً مما بُذل من جهود أناس قبلنا ..ربما مشكلتهم الكبرى انهم لا يزالون يظنون ان مبادئهم وقيمهم هي" الثابتة"..وأن ما غير ذلك ليسوا إلا قلة سيجتثونها من فوق الأرض ما لهم من قرار..ربما لم يفطنوا بعد إلى ان الشيء العادي -في ايامنا هذه- ان تكون سارقا ..متربحا من عملك ..مستغلا لمنصبك ..وربما السبب أنهم لا يستطيعون تصديق ان ما بذلوه من غالٍ ونفيس قد ذهب سدى ..سنوات تحت أصوات الرصاص الذي يصم الآذان منبطحين على رمال ياملون ان تشفع لهم بأنهم حموها عندما يقف الجميع للسؤال ..تبعتها سنون تنضح مرارة وغربة وشقاء ..ولعل ذلك كان ليلحقوا بما بقي من قطار الدنيا من نعم ..!لكنهم لم ينسوا أن هذه البلد هي أمانتهم فحافظوا على أن يكونوا مرآتها ..وبعد كل هذا يأتي من يقول لهم إنني أسرق مال بلدكم لأجل أولادي..أسرق ماضحيتم به ..أسرق أحلامكم ..أسرق دمائكم ..وليس لأن اولادي سيموتون جوعا ..لكن لأنني إمرؤ غلبه الجشع حتى وصل بي الهوان والذل انني أبرر ذلك..ولسنا هنا ببعيد عن بني اسرائيل الذين قالوا " لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَام ٍوَاحِدٍ" ..لم يكن هناك جوع ..لم تكن هناك حاجة ..بل كانوا يأكلون أرقى وأنقى وأطهر طعام ... -طعام اهل الجنة- ..لكن الجشع والدنيا عندما تطغى على القلوب تجعل الناس تنأى جانبا ببصرها عما في أيديهم ..إنهم دائما في سباق مع ملذاتها ..ومع رغباتها ..وهنا استغرب من يتحجج بسلوكه ونهمه انه من اجل أبناءه ويتعجب فيما بعد من سلوك ابنه الذي أدمن وابنته التي لا تمشي بنصيحته ..ويدعي أنه منحهم سنين عمره لنشأتهم لكي يكونوا في أحسن حال .............من الحرام!!!!!!!!؟؟لكنني اليوم أقف مناديا كل سارق تربح من مكان عمله ..كل مرتشٍ انتظرني لكي" أغمزه "في يده بورقة لينجز عملي..كل مستغل لسلطته في التكسب والتحكم في عباد الله ..إنني اليوم لا أجد بدا من الوقوف على الكرسي ..-عوضا عن الجلوس -..ليصل صوتي إلى الجميع : اسرقوا ..وانعموا في كل هذه المتع الزائفة ..استغلوا.. لكنكم إن وجدتم من يداهنكم اليوم فلن تفروا من العقاب غدا ..وادعوكم من هنا أن تبذلوا قصارى جهدكم لتنافسوا هذه الدنيا وتسابقوها فإما وصلتم أنتم ..وإما انتصرت هي ..!! وانتم تعلمون أنكم ستذهبون ..وتفنون مع افكاركم ..وأعمالكم ..ولن تبقى إلا هي يؤنسها شَجِع جديد ..ويؤرقها بقاء ذكرى "رجال " أنكروها ...فذكرتهم .

الثلاثاء، ٢٣ أكتوبر ٢٠٠٧

عبده فهـــــــــــــــلوة ...إلى أيــــــــــن..!!؟؟

آثرت أن تكون أولى جلساتي على كرسيّ متضمنة حديثاً عن صنعة أو حرفة مصرية خالصة ..ربما كانت بعض الأمور الأخرى أكبر أهمية وأكثر خطورة لدى البعض ..لكني أرى أن الحديث عن هــذه الظاهرة له عبق خاص ورائحة مميزة ..إنك قد تجد الكذب منتشرا في كل مكان ..والحيلة يرتع فيها أي امرئ كان...والتضليل..والتمثيل ......لكن أين قد تجد هذه الصفات كلها مجتمعة كما تجدها هنـــا..؟قد يعتقد القارئ لأول وهلة أني أذكرها على انها صفة ذميمة بحتة..بل على العكس فإن هذه الصفة لم تتخذ هذا المنحى اللئيم إلا بعد أن زادت عن الحد وأصبحت مأوى لكل من لا حيلة له..بعدما كانت تقتصر على فئة معينة كثيرا ما كانت تصرفاتهم هذه مصدر تندر والذي قد يصل إلى مرحلة الاعجاب لدى البعض ..وتقول المصادر أن أصل كلمة "فهلوي"هو " بهلوي" وهي فارسية تعني سريع الحيلة والبديهة ..!!فالذي كان يوصف - في تلك الآونة- بالفهلوي كان شخصا مميزا -وإن تعرض لبعض الانتقاد- ..وربما اُستعين به لدى المرور بأزمة عارضة لا نستطيع التملص منها إلا بحيلة من حيل هذا الفهلوي ..

هنــا مربط الفرس ..فبعدما كانت " الفهلوة" حرفــة أوخصلة يمتاز بها البعض عمن سواهم بات الجميع يدعي معرفته بأصولها ..بل لقــد صار الكثيرون لا يعتبرون أنها من الأمور المنتشرة أو الشائعة ..وتعدت حدود ذلك لتصبح من علامات الهوية المصرية ..وبات المرء يعرف بمصريته الخالصة بكونــه فهلويا بالفطرة أم لا..وانتشرت القصص والحواديت التي كنا - ولا زال البعض-نتباهى بها ..حتى ولو كنا نعرف مسبقا بأنها من نسج خيالنا - الذي لا ينضب- عن كوننا قد أصبحنا علامة مسجلة في هذا المجال ..بل لقد انتفضت " المافيا الإيطالية " بجلالة قدرها لما يقوم به المصريون من حيل ومهارات ..وأصبح الإيطاليون يغارون منا ويقولون " أنتم لا زلتم نعتبركم إخوتنا الصغار في الفهلوة " وذلك حتى لا يفقدوا مكانتهم العالمية .."نحن بالطبع نتفوق في مجال التلميع الذهبي - والفضي- على الفهلوة في حد ذاتها لكنني أفضل إفــراد مساحة أخرى لهذا الموضوع فيما بعد إن شاء المولى"..وبذلك أصبح المصريون هم أسياد الفهلوة العالمية ..وإن صعب عليهم ما وصل إليه حال إخوانهم " الطلاينة" فتنازلوا طواعية لهم عن هذه المكانة ..كشهامة رشوان التي جاءت في الإعلان.
وعندما تنظر حولك لا تجد أدل على ذلك من كون المصريين يتنافسون في إيجاد أصعب الحلول للالتفاف حولها ..حيث المتعة والاثارة ..وربما الغمزة واللمزة الكعب كما يقول " حمادة إمام".والغريب أيضا في الموضوع أن العادة كانت منحسرة في المدن وخاصة الكبرى منها ..لكنك الآن لن تتعجب إن رأيت أحد الريفيين الذي لا تبدو عليه أدنى أعراض " النباهة " أو الذكــاء ..يستخدمها معك..ولن تجد أكثر سماجة ومدعاة للحيرة من هذا الأمــر لأن الثوب ليس فقط واسع عليه ..لكن ألوانه كذلك هي الأخــرى من الألوان المشعة التي لاتصلح مع البيئة التي قدم منها هذا الريفي ..ولكن العذر الذي نستسمحه له ملله وضيقه من استغلال أبناء المدن للسذاجة التي قدم بها من بيئته وأيضاً عدم فطنته للفرق الجلي والواضح بين "الفهلوة" و"الخبث "..ولربما ساقته سجيته لابتكار العقبات والبحث عنها حتى يظن الذين حوله أنه قادم إلى المدينة حالاً ألغازها..سابراً أغوارها ..لا كما يظنون
ومن هنا باتت العادة التي كنا نتندر بها ..وتميز بعضنا الذين نلجأ إليهم في أزماتنا وضيقنا ..إلى هوية ..وليتها أصبحت هوية ناجحة بل لقد غدت" مسخا" لا يمت للفهلوة الأم بصلة ..وصار عبده الفهلوي مثل أبو زيد الهلالي وعنترة ...ضربا للأمثال ..وأسطورة ليست حية ....ولا حتى ميتة

السبت، ٢٠ أكتوبر ٢٠٠٧

الكـــــرسي..!! لمــــــــــــــاذا.؟؟

بدايــة أهنئ نفسي " تلك الخاملة الكسـولة" على انصياعها أخيرا لطلب العديد من الأصدقاء بانشــاء هذه المدونة..ولست هنا بصدد شرح عدم اقتناعي بانشــاء مدونة لن يقرأ مضمونها سواي ..وربما البعض ممن يكنون لي أواصر المحبة والقناعة العمياء.
ولكننا هنا لنناقش السبب من اختياري لهذه التسمية .."الكــــرسي" .. وذلك لكوني أنشأت المدونة ككرسي اعتراف : نعترف فيه جميعا فيما بيننا بأخطاءنا وزلاتنا وعيوبنا ..صحيح أن المقصود هنا هو الأخطاء العامة ولكن لا مانع من مناقشة بعض ما يجد في حياتنا الشخصية ..إن قناعتنا هي بأن ما نحن فيه هو نتيجة لتخلف سياسي ..ناتج عن وسائل القمع والممارسات التي يتبعها النظام الحاكم ومن يوالونه -أنا لا أخفي ذلك ولا انكره -ولكن عندمــا أنشأت هذا "الكرســي" كنت أعلم ان هناك العديد من المدونات ..وصحف المعارضة لاتمل من مهاجمة النظام بل وشخص كبار رموزه ورجالاته " وفي أحيان كثيرة نسوانه"..ولا أخفي أن الاختيار قد وقع عليه من بين عدة أسماء لكنها في النهاية تحمل جميعها نفس المعنى..وقد كنت أنوي أن أجعله إما " كيفما تكونوا " ..أو " من اعمالكم " لكنني آثرت الاسم الذي وقع اختياري عليه أخيرا. إن هذه البلاد تقبع في غياهب من ظلمات اجتماعية وأخلاقية لن تستطيع الحلول السياسية وحدها جذها ..ربما انشغل الكثير منا بالتغيير السياسي ..والدستور ..والانتخابات ..لكن هناك كثيرون لا يلتفتون إلى هذا او ذاك ..أناس بسطاء كانوا فيما مضى نطلق عليهم مطحونون كادحون..وهم موجودون في كل البلاد وعلى مر العصور لكن ما نراه الآن مجرد أشباح واهية ..ظلال آدمية فقدت أقل ما يمت للبشرية من صفات ..هم ليسوا متدينين ولا جاحدين ..ليسوا أسيادا ولا عبيدا..اختاروا نمطا جديدا في الحياة بل ربما لم يكن كذلك ..ولكنه أبــدا لم يكن بالانتشار الذي نراه الآن .."مُذبْذَبينَ بِيْنَ ذِلِكَ لاَ إلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ" ..ترى كيف أصبحت هذه الطائفة هي المسيطرة؟؟
كيف صارت من سلوكيات تجب محاربتها إلى نمط حياة ومسار دولة ومجتمع بأكمله..كيف أصبحت " الفهلوة " و" الهبل عالشيطنة" شرعة ومنهاجا لأناس أنتمي إليهم ..ربما كنت في يوم من الأيام فكرت في الحلول السهلة لكنني هنا أختار الحل الصعب والصوت الذي ربما لن يسمعه إلا القليل..وربما لم يكن لصوتي هذا أي أثر سوى صدىً يعود إلى ..ولن يهمني لأنني كلما شعرت بحنين إلى" الفضفضة"..سآوي إلى هـــذا "الكـــــــــرسي"

انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام