الأحد، ٦ يناير ٢٠٠٨

ســـــــــــــــــونـــــــــــــــــة أجــــــــــــــدع نـــــــــاس..!!

تمــر السنين على الدنيا وعلى الناس وعلى المجتمعات حاملة - في هواءها- شيئاً تتراكم آثــاره محدثــة تغيرا طفيفا يتضح على المدى البعيد..
وتتبين ملامحــه في الأشيــاء من حولنا ..في شوارعنــا ..في سلوكنــا ..وحتى في ملامحنا ..ربما نحن لا نلحظ هذا لأنه يكون تدريجياً ويحدث بشكل تصاعدي ..لكن هناك أشيــاء يجب أن نعترف أن عوامل الزمن لم تستطع أن تنال منها ..ولا حتى الظروف المناخية أو الاقتصادية ..أو التقارب الهائل والعولمة "والقرية الصغيرة" التي نتحدث عنها على الدوام ..
لست أعني بذلك طبعا أيّا من الثوابت الدينية أو الأخلاقية أو العرفية في المجتمع " وإن كنت أشك أنها باتت ثابتة لدى البعض في الآونــة الأخير" ..لكن ما أقصده شيء آخــر نولد به و يترعرع في داخلنا ..وربما كان داخلا في نطاق الجينات الوراثية المكتسبة من أجيال سابقة..
دائماً ما كنت أتســاءل كيف يحدث هذا التناقض العجيب بين خروج مدرس الدين الذي يحدثنا عن كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفر من التعصب والتفاخر الأعمى الذي يدعو إلى حجب العقل وتوريث الضغينة والكراهية بين الناس حينما قال " دعوها فإنها منتنة"..قارنت بين هذا المدرس وبين مدرس اللغة العربية الذي يشرح كيف تفوق هذا في الفخر ..وهذا في ذم وهجاء قبيلة "فلان" ..وكيف دامت حروب القبيلتين دهراً..إلى أن ....
وبعد لحظات تأملية ..تلك التي تراودك بين الحين والآخر على كرسيّك..ستجد أن الأمر لا يعدو أكثر من صفات داخلة في التكوين النفسي المعقد للعقلية العربية ..لكنها أيضا إن لم تكن قد محيت مع جملة الآثار العتيقة ..فإنها عملت على مواكبة الحدث والتطور السريع الهائل ..فاتخذت شكلا ومنحى أكثر تعقيدا عن ذي قبل ..يتمثل في أننا ننتقد الأوضاع من حولنا وندعو جميعاً إلى تحسين الأوضاع وإلى الحرية وحقوق الإنسان ..في حين أننا نفس الأشخاص الذي يخرقون بأفعالهم ما ينادون به ..ويدّعــون أنهم يناضلون من أجله..
نفس هؤلاء الناس الذين يطالبون بحرية التعبير وإبــداء الرأي ..هم نفسهم من يعانون عقدة عدم القبول بالنقد والتوجيه ..لذلك نرى سياسياً أصحاب التوجــه الواحد يتصارعون وتصل الاحتدامات بينهم إلى حد التشابك والتلاعن " وبعيدا عن جهود الجهات الأمنية في ذلك" فإن السبب الأكبر والسبيل الأقصر لذلك أن كل منهم يرى أن رأيه هو الصحيح ..وأن التوجه الذي يبديه هو الأصلح لا لشيء إلا لأنه قادم منه هو ..والتحدي قائم إذا أثبت أي من أصحابها جدواها عمليا ..لكنهم يظلّون على موقفهم لأنهم تربوا على عدم التخاذل أمام الرأ الآخر ولو كان الأصح ..!!
دينيــاً.. نلتفت حولنا فنرى العديد ممن نعرفهم لا يطبق أدنى حدود الدين ..لكنّـه يستبسل أيّما استبسال أمام من يحاول النيل مما هو راسخ في داخله ..وهذا شيء جميل ..إذا كان آتيا من شخص له قناعة تامة بقضية يؤمن بها ..ويعمل على الحفاظ عليها ونشر ممارستها "بالفعل قبل القول" ..لكنك إن سألت أي من هؤلاء عن سبب صياحه وانفعاله لكن رده المتعارف عليه والمعهود : أنــه لن يسمح لأي كان بأن يمس "معتقداته ومبادئه" ..وبنظرة فاحصة نلاحظ أنه يجب احترامها والدفاع عنها -على طريقته-لا لأنها الأصح ..ولا لأنه يؤمن ويطبق كل ما جاء في تعاليمها فعليا ..ولربما ناقشته فوجدته أجهل من دابة فيما يتعلق بجوهر ما يؤمن به ويعتقده ..
كل ما في الأمــر أن الأمر يتعلق به وبشيء يعود إليه ويتسمى به ..فلا يحق للآخرين مجرد الاقتراب منه ..مع أنك قد تختلف مع آخر لكنك تحترمــه في أعماقــك لأنه قد يفني حياته بعد أن آمن بالقضية وبذل من اجلها ولم يضن عليها حتى بدمه وحياته ..حتى ولو خالفك في الاتجاه والرأي..
وفي حياتنا الاجتماعية الأمر أدهى وأمر...
ولنأخذ البيت كمثال بسيط ..فالأم - أو الأب- لا يريدون لابهم أن ينجح ويصبح من المتفوقين حرصاً على مستقبله فقط .."هذا سبب أساسي" ..لكنه قد يتنحى جانبا إذا ولجنا أي من بيوتاتنا المصرية وشاهدنا كيف تهتم الأم بما حققه إبن جارتها من درجات وتفوّق ..وكيف أن ابنة صديق زوجها دخلت كلية كذا ..
وهنا يجن جنونها ..ويتحول الوضع إلى تفوق الغير على شيء تمتلكه ..روح المنافسة جميلة ..ومطلوبة للتحفيز ..لكن تحولها بالشكل " المرضي" الذي نراه بيننا ..ليس تنافساً أو أسلوب تحفيزي بقدر ماهو سباق نحو التعصب الأهوج الفارغ من أي مضمون أو نتيجة تعود بالرضا عن النفس والمصالحة معها ..
وفي المجتمع والشارع ..فالحال حدث عنه ولا حرج ..فتجد المزايدون والمرآون يتباهون بأنهم ينتمون إلى مثل هذه البلاد ..لكنهم لا يدخرون جهدا في سرقتها والاستفادة منها في أي وضع وأي حال ..ومن المفارقة أنك قد تجد الشخص يذهب ويأتي .. بين حلّ وترحال ..مدافعا عن سمعة البلد وقاطعا ً للألسن التي قد تلوكها بشيء فيه اساءة لها ..والناظر للأمر يراه جميلاً من خارجه ..
ولكن بإزالـة القشور التي تحيط بالوضوع سنجد أن نفس "المناضل" يبحث عن أي فرصة لمد يده والنيل من بلاده نفسها ليس بالكلام كما يفعل الآخرون ..وإنما بجعلها على الشكل الذي يسمح لهم بأن يتخذوها سخرياً ..وهكذا ..
هو في جداله لا يكف عن ذكــر الأمجاد والقصص ..وأجداده الفراعنة ..والأهرامات ..أي أهرامات التي يتشدق بها ..!!؟؟ ويتحدث عنها .. ربما كان بعدنــا في زمن مضى وصعوبة وصولنا للأهرامات سببا في أننا كنا نراها فعلا "شيئا اسطوريا " ..رمزا للشموخ والعلو ..أما الآن فبامكانك أن تراه من عدة أماكن دون الحاجة لبذل مجهود للوصول إليه ..فأصبحنا نتساءل عن سر عظمته ..وشاهدنا أنها مجموعة من الحجارة المتراكمة لا دلالة لها ..وأننا ضخمنا منها أكثر من اللازم ..فانعكس ذلك على لغة خطابنا ..وأصبح الأمر مجرد ترديد أجوف دون قناعة بأهمية هذه الحجارة ..وفقدنا الاحساس بالرمز الذي كان من المفترض أن يكون منبعاً نستقي منه رفعةً وشموخاً..
أمــــا أن نراهـا مجرد حجــارة ..فستظل تتراكم على صدورنا ..وفي أرواحنا ..وسيبقى الأمــرمجرد دفــاع عن مجموعة حجارة لا طائل منها ..
فقـــــط لأنـــــها لدينــا ..وملك لنــــا ..!!


ليست هناك تعليقات:

انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام