الجمعة، ٢٥ يوليو ٢٠٠٨

رؤى حكومات ..ورؤية الوطـــــن

تتداخل لدينا العديـد من المعاني حتى نسلّم بعد ذلك أنها أصبحت تشكل مفهوما واحــدا ورؤية واحــدة ..
ومن أبرز ما يمكن الحديث عنه في هذا المحور "معنى الوطــن" ..!!
فتختلف الصــورة التي تتكون لدى كل منا لدى حديثه عن الوطن ..أو إذا جــاء ذكر ما يمس هذا الوطن أمامه..
ومن هنا لابد لنا من فك الاشتباك الذي يحدث عندنا لدى التطرق لأي أمــر يخص هذا الموضوع ..
ولا بد كذلك من التفرقة بين "مفاهيم" تتشكل فيما بينها ..وتترابط ..مكونــة نسيجا متداخلاً..لكن لا يجب الخلط بين تكوين كل منها ..وطبيعته .
وبعيدا عن الإطالة فإن هذه المحاور التي نتحدث عنها هنا هي : الحكــومــة - الدولــة - الوطن

فالأولى معروفة لدى الجميع وهي -وإن اختلفت أسس قيامها ونشأتها " اشتراكية كانت أو ديموقراطية ..الخ" - تعتبر نفسها المسؤول الأول والأخير عن حياة الفرد ورفاهيته ..وتوفير سبل العيش له ..وغالباً لا تحدث أي من هذه الوعــود إما لكونها مجرد شعارات دعائية ..أو لصعوبة تحقيقها في ظل الظروف المواتية للبلاد ..ولكن تظل الحكــومة هي العقبة التي يراها الناس أمام رخائهم ..ولكنها في الوقت نفسه الجهــة المحايدة التي تحميهم من أنفسهم ..فهم يبغضونها في قرارة أنفسهم لكنهم يعلمون أنهم لا يستطيعون الاستغناء عنها ..
فلولا وجودها لسُهــل عليهم النيل من بعضهم البعض بلا رادع ..ولا وازع ..ولأصبح من الصعب تطبيق القوانين التي تظل مجرد حبر على ورق ما لم تتكفل هذه الحكومة بالالتزام بالسير وفق ما جاء فيها ..
وربما كان هذا ما يدعو الناس للصبر على ما يرونه أذى من حكوماتهم ..خوفا من الفوضى التي قد تحدث في ظل عدم وجودها ..
أو لعل السبب الأبرز أنه قد نشــأ على أن يخشاها ..ويبغضها ولا يستطيع الاستغناء عنها في ذات الوقت
وقد تتعاقب على الفرد منّـا العديد من الحكومات وتختلف أشكالها ..ومناهجها ..وغالبا من نشاهد كبار السن وهم يقارنون بين مختلف الحكومات التي شهدوها..


أما الدولــة فزاوية الرؤية فيها أوسع قليلا ..فهي تختلف عن الحكومة في أنها تمثل النظام الذي تسير عليه البلاد ..فمن دولة الفراعنة إلى البطالمة ..وفي العصور الاسلامية شهدنا دولا مثل الأموية والعباسية والعثمانية والمماليك ..وانتهى بنا الأمر في دولة "العسكر "..
فأصبحت مصر دولة عسكرية ..وحماية الدولة لا تكــون من خطــر أعــداء البلاد ..حتى وإن تم تصويرهم إعلاميا كذلك .."فهؤلاء يختص بمجابهتهم الجيش "..
أما "أمن الدولة " فهو من اختصاص من يحمــون النظام القائم والحالي ..وغالبا ما يتم تصوير أن أمن النظام وقيامه هو من مصلحة البلاد عموما ..ونسي معظم هؤلاء أن الأنظمة توالت ..واندثرت وبقي ما هو أكبر ..وأبقى ...!!
هذين المحورين يهتم بأخبارهما والمتغيرات التي تجدّ عليهما ..القاطنين في البلاد ..
أو الذين تتكرر زياراتهم ..بحيث لا يعتبر غيابهم دائما
ولذا وجب التفرقة بينهما وبين المحور الثالث ..والأهــم
"الوطــن".. ولا يمثل هذا الوطن الخريطة التي نراها في كتب الأطلس ..أو العلم الذي نرفعه في المباريات ..أو جواز السفر الذي نستخدمه للتنقل عبر البلاد..
إن وجــود الوطن لا يحتاج لحيز يضمه ..لأن شعــور المواطنة أبلغ من أن يتمكن المرء من الحديث عنه..
فالفرد قد يغضب من توجهات حكومته ..أو يشتكي النظام القائم ..لكن أحدا لا يستطيع أن يعيش بلا وطن ..
وتملك "مصــر" موروثا خــاصا في هذا الشأن ..فقد تعتبر من أندر البلاد التي لا تملك المواطنة فيها شروطا عرقية أو دينية أو مذهبية ..
ولن يتسع المجال للحديث عمّن احتضنتهم حتى بات تاريخهم مصريا خالصا من "كليوباترا" حاكمةً..إلى "بيرم التونسي" شاعراً..مرورا بمحمد علي مجددا ..ومؤسسا لعصر آخــر من البلاد..
كل هذا الحديث جاء عندما تذكرت أنني قرأت خبرا مفاده ان عالمنا الطبيب والجراح العالمي "مجدي يعقوب" أنشأ مركزا للجراحة السريعة في القلب ..لكنه لم ينشئ ذلك المركز في "قلب " البلاد ..ولا عاصمتها ..لكنه وضع أساسه في أقاصيها ..في مدينة "أسوان "
والتي لا يمت لها بصلة ما ..سوى أنه ينتمي لوطن يحتضنها ..

إن النقطــة ليست في اختيار مدينة معينة ..
ولكن بعد النظر الذي يؤمن بأن الوطن ليس مجرد عاصمة ..ومبانٍ شاهقة ..وادارة مركزية
ولو نظــر هذا العالم إلى الوراء ..وعاش على ذكريات صاحبت بداية طموحاته ..
والتي اقتربت من أن تُغتال في مهدها .
لم يكن ليلتفت إلى إلينا البتة
وليس وحــده من العلماء مَن واجــه المصاعب ..والمتاعب في ظل "بيروقراطية" حكومية عريقة ..وعتيدة
فالقصــة تكررت عند "زويل" الذي أبى أن يتسلم جائزته إلا على وقع موسيقى
تخط سطور أسطورة مصرية جديدة..
ما فعله الدكتور "يعقوب" ..يدل أنه لا يتذكر سوى "مصريته" الأبديــة.
واتضح أن هذا الجراح الذي عالج مئات "القلوب" ..يعيش في وسط قلبه " وطــن"..
واتضح أكثر اننا كلما ابتعدت رؤيتنا عن" المحورين" الأوليين ..زاد قربنا أكثر نحن أيضا ..
من الوطن

ليست هناك تعليقات:

انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام