الجمعة، ١ أبريل ٢٠١١

مصــر .. المصـــريـــة !!

تمر مصر في هذه الأيام بمرحلة جديدة من تاريخها السياسي ربما لم تشهد له مثيلاً في ذي قبل، فلا أظن أن التاريخ قد ذكر قيـام المصريين بالتشـاور حتى لاختيار حاكمهم - اللهم في حالة اجتماع المشايخ بقيادة عمر مكرم على تولي محمد علي لزمام الأمر والذي انقلب فيما بعد عليهم وعهد بالحكم لسلالته -.
وبالنظر للثورة التي قامت على أنها " عملية جراحية " بالغة التعقيد ، فإنها بالتأكيد تحتاج إلى فترة من النقاهة تتخللها وسائل الإنعاش للأطراف الخاملة حتى تدب فيها الحياة مرة أخرى . ومن ثم تستطيع البلاد المضي قدماً في طريقها دون أن تتكئ على أحد أو شيء يعينها .
وعلينا الاعتراف بأن المرور بمرحلة التدريب والنقاهة تلك لن يكون بهذه السهولة المتخيلة . كون أن الموضوع برمته لا يزال قيد التجريب لدى الطرف الأهم في الحالة كلها ... "الشعـــب " !!
فشعبنا المصري الذي ظل طوال تلك العهود مغلوباً على أمره - مع تفاوت الدرجة من حين لآخر - استيقظ ذات يوم ليجد جزءاً منه ثائراً بحق ليس فقط ضد الظلم والطغيان والفساد .. وإنما ضد التجاهل والنظرة الدونية التي كان الفاسدون يرمقونه بها .. وأكاد أجزم بأنها كانت المحفّز الأول للثوار في تحركاتهم .. ولكن .. ماذا بعـد الحصول على الحرية التي صارعوا من أجلها ..!؟
لعل تحليـلاً بسيطاً لتصرفات الفئة التي اكتفت بالمشاهدة في أحلك أوقأت الشدة التي مر بها الثورا .. تلك الفئة التي يطلق عليها إعلامياً " الأغلبية الصامتة" والتي بدأ الاعتماد عليها بعد نجاح عملية " الأقلية الصامدة " في الميدان . والمفارقة أن هذه الأقلية لا تجد غضاضة في اقتسام "الكعكة " مع الصامتين .. كونهم شركاء في القضية بغض النظر عن مدى فاعليتهم في وقت الأزمات . ولا يمانعون مشاركتهم لأنهم يؤمنون بوحدة المصير والقضية .
لكن بدخول اللعبة في مرحلة العراك السياسي بين أطراف القضية .. وهي بالمناسبة تعتبر عراكاً مشروعاً مادام يجري في أروقة سياسية بحتة دون العزف على أوتار ابتزازية .. أو اللعب بأرواق انتهازية .
إلا أن طرفاً في هذا العراك اختار الطريق الأسهل باستغلال ما لن نسميه "الأمية السياسية " لدى معظم أصحاب القضية .. وإنما سنستمر على تسميته باستغلال المرور بفترة النقاهة .. وهو ما يتمثل في الإمسـاك بيد المريض أثناء ترنحه وهو يحاول النهوض .. ثم الجري به في فضاء لا حد له بدعوى الإسراع في خطوات العلاج !!!
وبصورة أكثر بساطة إذا حللنا الطريقة التي يتعامل بها أصحاب قضية معينة - كالداعين إلى إقامة دولة دينية - على أرض مصر .. فإننا سنلاحظ أن حجتهم في ذلك أنهم بذلك يحمون البلاد من الدخول في نفق مظلم من "العلمانية " أو الليبرالية التي أتى بها دعاة الحريات الذين قدموا من الخارج محملين بأفكار هدامة .. تقوّض بنيان الكيان المصري الإسلامي .
وهم بذلك لا يراهنون على الحفاظ على تلك الهوية .. وإنما - من وجهة نظري - يراهنون فقط على أن الشعب لم ينل حريته بعد .. ذلك أنهم باعتقادهم أن الرئيس القادم إذا كان "علمانياً" فإنه سيفرض على الشعب أفكاره تلك .. وسيضغط عليهم للتخلي عن مبادئهم الإسلامية .!!!
وطريقة التفكير هذه تعتمد على أن القادم سيكون فرعوناً آخـر يستطيع أن يفرض أو يمنح أو يمنع .. ناسين أو متناسين أن الثورة لم تكن على فرد وإنما على هذه الفكــرة بعينها . وربما عذرهم في ذلك أنهم لم يتواجــدوا في قلب الأحداث للتعرف عليها عن كثب.
أما الرهان الآخر فهو على هشاشة الثقافة المصرية ..والتي يظن أولئك أنهم سيحمونها بفرض سطوتهم كحماة للوطن وهويته .. مع العلم بأن الثقافة المصرية الدينية تعتمد على "العـرف" كسنـد رئيس في تسيير حياة المصريين . والتي تكتسب شرعية شعبية يصعب القفز عليها تحت أي مسميات أو إدعاءات .
فمن المعروف أن ما تعارف المصريون على كونه تصرفاً خاطئاً فإنهم لا يمانعون في اتخاذ أي إجراء يضمن لهم عودة الحياة إلى طبيعتها وحسب الأسلوب الذي يتماشى مع ثقافتهم .. فمصر بطبيعتها دولة "اسلامية " لا تحتاج إلى ورق أو منشور أو دستور ليقول لنا هذا ..
ولعل المفارقة أن الدستور طالما نص على وجود المادة الخاصة بذلك ..إلا أننا لم نشعر بذلك حقيقة واقعـة في التصرفات الرسمية .
إن العلمانية الغربية لم تقم إلا بسبب سطوة الكنيسة على العلوم في ذلك الوقت .. والتي دعت إلى القول بهرطقة "كوبرنيكوس" أو أي ممن يتبعون فكرته القائلة بمكزية الشمس وأن الأرض ضمن الأجرام التي تدور حولها . وسجن "جاليلو " لقوله بكروية الأرض وعدم انبساطها !!!!
وهكـذا ينتفي الداعي إلى وجــود دعوات للعلمانية المصرية .. كون الدين لا يمنع الناس من التعلم أو الابتكار بحجة تعارضه مع التعاليم الشرعية . وتنتفي معها الدعوة إلى التزلف الديني المصطنع .. كون الهوية المصرية الاسلامية وثقافتها العريقة ليست في خطـر ..سوى ممن يحاولون التسلق عن طريقها للوصول إلى مآربهم الخاصة . في وقت أبعـد ما نكون فيه عن حاجة إلى "اسلاموفوبيا" محلية تخـدم مصالح أعداء الإسلام الحقيقيون .

وختـامـاً لا يسعني سوى أن أرمي هذا التساؤل بين يدي القارئ حتى يستنبط الإجابة من عقله هو .. ليثق ثقة عميـاء أنها ثورتـه وحياته التي لن يقرر مجرياتها التي سلمها الله له أحد .
يقول تساؤلي : إذا دخلت - كمسلم - احد الكنائس وأجريت استفتــاءً حول إذا ما كانوا يفضلون مصر " اسلامية " محافظة على التقاليد والخطوط العامة في الاسلام .. وبين مصر ذات الحرية المطلقة .. "المتصرمحـــة "..
فأي اختيار تعتقــد أنه سيجد صدى أكبر ..!؟

انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام