الجمعة، ٢٩ أغسطس ٢٠٠٨

مــع نفســـي ..!!

ظلت كلمات الرجل تتردد في أذني لفترة طويلة ..ولم أستطع منع نفسي من البوح بمكنون الصدر للصديق الذي كان يرافقني تلك الجولة في أواسط المدينة ..
بــداية القصــة كانت هذه المــرة على كرسي مختلف ..عندما قررنا -ذلك الصديق وأنا - أن نستقلّ احدى سيارات الأجــرة لايصالنا لمسافة قصيرة ..وساعدتني رغبتنا المشتركة في التزام الصمت لهذه المسافة القصيرة على الانصات لما كان يستمع إليه السائق..- وهو بالطبع من أتباع طريقة التلقين ..الذين يحبون أخــذ خلاصــة مجهود "المشايخ" من بحث وتنقيب ..دون أن يكلف نفسه بعضا من عناء البحث والتمحيص..أو حتى التفكير فيما يعرض عليه-
المهــم كان " الشيخ " يتحدث عن الصــلاة وأهميتها في حيــاة الفرد المؤمن .. ورغم اتفاقنا على المبــدأ الذي يتناوله ..إلا أنني لم أستطع إخفــاء ذلك الامتعاض الذي بدا على وجهي عندمــا شرح يتحدث عن السبب الذي قد يدعوك أخي المستمع إلى اتخاذ القرار بالالتزام بالصلاة..
" عايز ربنا يكرمك ..صلّي..عايز بركــة في الرزق ..صلّــي ..عايز فلوس ..صلي............."

وماذا إذا كانت هــذه الأمــور لا تجــول في بالي هذه الفترة ....
مــاذا إذا كان الزهــد - أو حتى الاكتئاب- قد اتخذ سبيلا إلى النفــس حاليا..
إذن -وحســب ما جاء به شيخنا الجليل - لا حــاجــة لنا إلى صلاة أو عمــل...........!!
وقادني طول التفكير ..والأرق الذي انتابني إلى ملاحظــة ما لم يجل بخاطري ..
واكتشفت أن ربّ العبــاد -الذي هو أعلم بحالهم وبما تُكــن صدورهم- قــد وعــد الذين يتخذون طريقه بما لاعين رأت ..ولا أذن سمعت ..ولا خطر على بال بشــر .. مقــابل ماذا..!؟؟
مقــابل أن يسلموا وجوههم إليه خالصــة ..وأن يقدمــوا فروض الولاء والطــاعة ..وهــو ما هــو أهل له..وهــو المستحق لــه..
لكن "الله" عــز وجــل علم أن عبــاده -الذين خلقهم- لا يفعلون شيئا إلا بشيء..
فهــو وإن كــان لا شريك له في الملك.. ولا حــاجة له بهم.. وإنــما تلك العبــادة "إقــرار بشيء قائم بالفعــل ..وعمــل بما قد تم منذ الأزل"
ألا وهــو وحدانيــة المبدع ..وتفــرده بالملكــوت الذي نحن جــزء منــه ..
لكننا لسنــا ملائكة..فهم -الملائكة- " لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" ..أمــا نحــن فقــد خلق الله لدينا الحاجة .. وتستقر داخل النفس
وهــذه الحــاجة إذا لم يتم ضبطهــا والتحكم فيها ..صارت هي القائد الذي يسير بالمــرء .. و تعســاً لمن تقــوده نفســه ...
فلا يمنعها عن الوصول لمبتغاها ..بحــرام ..أو تذلل للخلق ..أو امتهان لكرامة ..
كمن تقــوده بطنــه.. أينما حلّ الطعام تجده أول الواصلين ..فليس في ذلك مال حرام ..وإنما وضاعــة وخســة وضعــة بين الخلائق
أما في جلستنا فيسوقنا الحديث إلى منعرج آخــر ..نستطيع من خلاله فهم بعض منا يدور في أروقة النفوس من حولنا ..والتي ربطت إخلاصهــا وتقديم شيء من الحب -ليس أكثر- لوطنــه والمحيط الذي يضمــمه بما آل إليه حاله ..والمصير الغامض الذي يكتنفه في الأيام المقبلة
صحيح أننا قد تبين لنا طبيعة النفس البشرية العــامــة ..لكننا اتفقنا منذ كانت " الكلمــة" أنـه لا مجــال للمضي قدمــا خلف..
"ثقـــــافـــــة النفــــــــــس الخالــصــــــة"

الأربعاء، ٦ أغسطس ٢٠٠٨

لعبــــة التــوازنات ..!!

بات في حكم المؤكــد أنه يستعصي علينا إقامة التوازن المطلوب في أي من أمورنا الحياتية ..فمن يعيش حياةً " بوهيمية " لا يُلقي بالاً لأي من المصاعب التي تزخر بها حياته..وآخــر سخــر نفســه للعمل وصار كالعبد له ليل نهار بلا كلل ولا ملل ..بحجج كأن في ذلك تحقيق للذات ..وأن هذا الزمن غير مأمون العواقب ويتطلب كــدّا وجهدا مضاعفا ..وهنا تظهــر على السطح أهمية خلق جو من التوازن بين كل ما اعتدنا القيام به أو حتى جــد في معيشتنا ..بالعــودة إلى بــداية المسألة وبالنظر والتأمل في أشيــاء تمر بعقلنا دون أن تستوقفه للحظات.. لوجدنا أنه لا يمكن وصف شيء في هذا الكون إلا بالرجوع إلى ضده ..فالليل لا يكون ليلا إلا إذا قيس بالنهــار..وأظن أن لحظات السعــادة القصــوى لا تكون محســوسة سوى بمقارنتها بكــم المواقف العصيبة التي نعايشها ..وكما ورد عن بني اسرائيل أنهم قالوا " لَنْ نَصْبـِـرَ عَلى طَعَــام ٍوَاحِــدٍ" مع أنه -كما جاء في العديد من التفاسير- من طعام اهل الجنــة ..وبعيدا عن التطرّق إلى ما عُــرف عن بني اسرائيل من صلافة ونكران ..إلا أن المحور الآخــر يقودنا إلى طبيعة بشرية تميل إلى عــدم التقيــد والثبات على أمر بعينه بفعله على الدوام ..لكن ذات النفس تحتاج إلى مجهود جبار لإجبارها على تغيير الحالة التي تعودت عليها ..فكم منا يرى أن ما يقوم به لا معنى لــه ..ولكنــه يستصعب تغيير الحالة النفسية التي ترضى بالبديل المناسب..!!وحتى في التدين فالجماعة "الشكليون" الذين يرون التقرب لله في مجرد اطلاق اللحى وتقصير الثوب ..وتكرار الحركات في مواعيد معينة ..وأن هذا هو السبيل الوحيد للوصول إلى الرضا المطلق والكامل من المولى عز وجــل..فتجدهم أقل ما يكون من خشوع في صلواتهم مع مواظبتهم فيها ..كونها لا تمثل أكثر من تكرار لحركات لا معنى روحي له..في حين ترى "الصوفية" يجدون أن سمو الروح هو المفتاح للوصول إلى الغايات ..ويصل غلاتهم إلى القول بأنه قد يوجد من تسمو روحه إلى مدى لا يحتاج فيه إلى عمل ..لأنه وصل إلى منزلة خاصة عند الإله على شأنه..وغاب عن أصحاب كلا الطريقين أن غاية ما يحتاجون إليه هو تحقيق التوازن المطلوب ..بأن تؤدى الحركات التي وردت "الصلاة " في أوقاتها ..ولكن بأن تكون الروح في حالة من التأهب والخشوع ..وبذلك يكون الوصول السليم -كما أحسب - إلى سمو الأعمال وتقبلها ..ولا أجــد ما أختم به جلستي هذه على "الكرسي " اليوم ســوى التمثل بما قال معاوية بن أبي سفيان عن سر تفوقه في الحكم :بيني وبين الناس شعرة لا تنقطع ؛ إذا شدوا أرخيت ، وإذا أرخوا شددت ....

انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام