السبت، ٧ أبريل ٢٠١٢

خيــوط المـؤامرة .. والمقـامـرة !

" خيـوط من الدخان - مع ضوء خافت - تتصاعد من وسط مبخرة موضوعة على منضدة طويلة.. يتضح ذلك عندما يبتعد الكادر مبيناً تلك الوجوه المنحنية في صمت تأملي أمام الشمعدان السداسي بلحاهم الكثيفة والوشاح المميز الموضوع فوق قلنسوة الرأس والذي يميز رجال الدين اليهودي مع تمتمة جماعية يقول كل منهم فيها جزءا خاصا به مشكلةً حساً هارمونيا خاصا.. آه لا يجب ان ننسى الخلفية الجدارية ذات الملمس المخملي الأحمر التي لاتكتمل صورة المؤامرة دونها " .
تلك هي الصورة التي ترتسم في مخيلة كل من يشاهد حلقات برنامج الأستاذ " ابراهيم حجازي " وهو يتحدث عن خيوط المؤامرة التي تتكشف على يديه بعد اأن كانت تحاك في الخفاء حتى استطاع اكتشافها وسبر أغوارها بواسطة ضيوفه المميزين بأفكارهم -وخواتمهم الكبيرة -وطرق تحليلهم لكل صغيرة وكبيرة في هذه المؤامرة الممتدة الأطراف التي ترغب بتقسيم مصر واحتلالها ، لم أقصد باتخاذ حجازي كمثال أن أختزل كل القضية في برنامجه كما أني لا أستطيع أن أنكر ما أكنه لهذا الرجل من تقدير على وطنيته وانتماءه ، ووضوح عدم ابتغاءه إلا وجه الله والصالح للمجتمع . إلا إن ذلك قد ثبت أنه لا يكفي للعمل العام بل وأثبتت التجربة ان المشاكل السياسية والرؤى المضطربة لا تأتي إلا عن طريق أصحاب النوايا الحسنة كما أن اختيار البرنامج كمثال كان لهذا السبب بالتحديد حيث يعمل بصدق الاحساس بالمسؤولية دون أن يعلم أنه بهذا العمل - بدلاً من أن يقدم خدمات جليلة للوطن - فإنه يقوم بما لا يحلم به العدو الذي يتحدث عنه بتصديره للشباب وللشعب عموماً ما يسمى بـ.. الطاقة السلبية .
وهذا المفهوم هو بوضع المتلقي في خانة من الاحساس بالاضطهاد المتواصل الذي يصل إلى حالة من العجز وعدم القدرة على التفكير " ساهم حجازي في ذلك بأسلوبه المتلعثم ونواحه المستمر" الذي يؤدي إلى حالة من التشتت النفسي والهبوط المعنوي العام ومن ثم الوصول إلى شيء من التسليم بالأمر الواقع وفي أحسن الأحوال انتظار المنقذ والتعلق بالآمال والبكاء على الأطلال .
إننا لا ننفي بالكلام السابق وجود المؤامرات ، بل إن أقل المتابعين للسياسة ودهاليزها سيقول لك إنها ركن رئيس من العلاقات بين الدول مثلها مثل الديبلوماسية والاقتصاد وكذلك ..الحروب ، إلا أن العيش على وهم أن العالم كله يتكاتل علينا ويرغب في نهش أجسادنا أحياءً ليس سوى نتاج لقلة وعي وثقافة وثقة بالذات ، والأسواء أن يصبح هؤلاء الجاهلون هم الذين يتكئ عليهم الناس في رسم الخطوط العريضة للفكر السياسي والاجتماعي من سياسين وكتاب واعلاميين وغيرهم . فأصبح الجميع في عالمنا العربي - وليس في مصر فقط - يعيش على هذه المبررات لتخاذله وقلة حيلته كذلك الطفل الذي لا يجد سبباً لبلادته وقلة تحصيله العلمي غير إن المدرس " يستقصده " ليتقوقع داخل هذه الفكرة وتكون منهجاً يمنعه من أن تبادر نفسه لصنع التغير في حياته .
إن من الجهل الحقيقي أن نعتقد أن الأمريكان قد نسوا ما بينهم وبين "اليابانيين " بعد الحرب أو أن " الانجليز " والفرنسيين " باتوا يحبون " الألمان " الذين يملكون صلافة وحبا للذات لا يمكن أن يصنع صداقة حقيقية مع أي أحد ، لكن في نفس الوقت أي من الشعوب - سوانا نحن- لم يرزخ تحت فكر يتمثل في جزيرة من الضعف تحيط بها مياه المؤامرات من كل جانب .. ، وربما كان هذا سبب نجاحها في كل مرة .
لعل المؤامرة الحقيقية العالمية ربما تتمثل في صناعة رأسمال شجع لا يبالي بالضعيف ، وبعيداً عن التنظير الشيوعي فإن الاشكالية الحقيقية ليست في رأس المال بقدر ما هي في أسلوب الادارة التي تتحكم في مجريات العالم ككل فيما يسمى بالـ corporate system.
وهي مجموعة من الشركات الكبرى التي تتمخض عنها شركات أصغر فأصغر لكنها في آخرها تصب في بوتقة واحدة تجتمع عندها رؤوس أموال العالم عن طريق هذا التشعب ، ويملي أصحابها الارداة على كل الأنظمة وربما تكون المفارقة أنهم من يصنعون الحروب بأسلحة " شركاتهم".. ثم يلزمون الدول على إعادة البناء "بشركاتهم " أيضاً ..ثم يستولون على كل تعاقدات النفط والتصدير والشحن ..الخ " بشركاتهم" .
وتتجلى المؤامرة الحقيقية في تغيير الثقافة العامة ونمط ورؤية اسلوب حياتنا بما يتناسب ومصالح هذا الشركات التي خططت لأن نصل إلى هذه المرحلة تدريجياً ، حتى بات " المايكرويف" مثلاً أحد أهم احتياجات ومتطلبات العروس التي كانت جدتها تجمع الحطب لتطبخ عليه . وبالطبع فإننا جاهزون دائماً بالحجة المناسبة .. " الزمــن تغيّـر ".
وبهذا نستطيع أن نخرج من المنهج الذي وضع أسسه الصحابي الجليل " أبو ذر الغفاري" والذي تتلمذ بحق على يد النبي الكريم صلوات ربي عليه وآله ، فاقتنـع - أبوذر- بأن " مـا زاد عن حـاجتك يدخل تحت بند الإسراف". لكن لهم طرقهم وإعلاناتهم بأن كل ما حولك هو من احتياجاتك والذي لم تصنع يداك حتى الـ10% منه .
والأكثر طرافة ما أخبرني به صديق عزيز من نشرهم ثقافة إبهارنا بأسلوب العمل في مجالهم وتحت إمرتهم بل ويضعون لك العراقيل لتصدق إن العيب في اسلوب تفكيرك وطريقة عملك أنت ، لكن ما أن تطأ قدماك المكان عندهم حتى تكتشف رخاوة كل تلك الأقنعة المزيفة لأسلوب العمل المميز . بل إنهم - بعد أن تصبح في عهدتهم- يرجعونك عقلياً ونفسياً بأساليبهم إلى مبدأ أن " الشـاطرة تغـزل برجل الحمار" كما يقول المثل . لتكتشف بعدها أن الفرق بين الفريقين نحن وهم - لا يكمن إلا في كلمة واحدة .. "العمــل " وكل خططهم وأفكارهم تنشر بحيث تصدق أنهم الأفضل فيه . وأنك لا تسوى شيئا دونهم .
هذه هي المؤامرة الحقة وأصحاب هذه الشركات ليست لهم أي أيدلوجية تذكر سوى المال والنفوذ ولا يكترثون بالنظام الداخلي المتبع في الدول مادام لايتعارض مع مصالحهم "ديكتاتورياً كان أم ديموقرطياً أو حتى .. مهلبياً " المهم ألا تتأثر مصالحهم وإلا حركوا الجيوش الجرارة لذلك بأوامرهم لقادة وضعوهم في تلك الأماكن لا لشيء إلا لتسيير هذه المصالح .
ولنعد إلى بداية المشهد الخاص بالبخور والأدخنة فإننا لانستطيع ان نغفل وننكر وجود مثل هذه المخططات لكنها لا تصدر إلا من مختلين غير متوازنين نفسياً ومتواجدين في كل العقائد والمعتقدات تسيطر عليهم روح الأسطورة ويغذيها استسلام أتباعها لأيقونات بعينها " دينية أو سياسية" . لكن المحرك الأساسي لكل خطوة منها لن يكون إلا بأمر "رأس المال" المتحكم ولا يستبعد البعض إن تشجيع هذه الشركات لقيام دولة اسرائيل منذ بداية القرن كان لهدفين أولهما : إبعاد اليهود عن مركز لعبهم في أوروبا لما يمثلونه من خطر " لا يفل الحديد ..." ، وكذلك ليتمكنوا من جعله كلب التخويف للمنطقة يطلقونه كلما بدت من العرب بادرة عصيان أو محاولة شم أنفاسهم . وساهم في ذلك ما زرعوه من فكرة القوة الخارقة للصهيونية وقدراتهم المخابراتية والعسكرية مما تتداول بيننا وأصبحنا مؤمنين به حتى بعد ثبوت هشاشته بحرب 73 .!!!
جانب آخر من ترسيخ الفكر المؤامري "المبالغ فيه " يكمن في رغبة الساسة وبعض أيقونات للدين أن يسبغوا على أنفسهم هالة معينة بأن يوجهوا العقلية الجمعية نحو فكرة الالتفاف حول الزعيم الملهم المنقذ وهو ما تجلى في الفكرة الشهيرة .." أنا أو الفوضى "!
والعجيب أن يتم استخدامها الآن بكثافة من شخص أو فصيل أو فشة معينة - وينتظر أن تمتد وتتكاثر مع اقتراب موعد الصناديق- في توجيه الناس نحو سراب معين بهدف تحقيق منصب أو كرسي زائل " كما تم استخدامها في غزوة الصناديق والمادة الثانية " بأسلوب رخيص لا يفكر صاحبه في رد الفعل النفسي السيء والتخبط لدى الشعب عندما يكتشف أنه تم استغلال ثقته وعدم إلمامه باروقة السياسة ومحاورها .
لقد اتضح للناس أن المؤامرة ليست خارجية فقط كما كانوا يظنون ، بل إن الخارجية منها - كما أسلفنا - واهية خاصة أنه يبقى عدونا وسنحذره ، لكن الأشد إيلاماً وتأثيراً في الشخصية الاجتماعية والبناء الذي كنا نرغب في اعادة توجيهه بعد أن تفكك .. هو المقامرة بنـا من أجل حفنة من الكراسي من جانب البعض ..
أو الأنكى بتسليـم "رفقاء المصيـر "لرقــابنــا جميعـا لتصبح تحـت سيـف " الحـجـاج " مرة أخــرى ، مصدقين - أو راغبين في تصديق - تشدقـه بأنه قـد خرج عن طـوع ..بني أميّـة !

انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام