الجمعة، ٢٦ أكتوبر ٢٠٠٧

الدنيـــــا ..وأولاده

لم تتشكل لدي صدمــة حين أخبرني صديقي أن والده" الرجل المحترم"قد ضحى بموقع متميز ناله عند عودته إلى عمله بعد فترة غياب ليست بالقصيرة في بلاد لا يزال البعض يدعي أنها ما زالت تقبع في بؤر التخلف واللافكر ..ما ضحد تعجبي معرفتي بالسبب الذي من أجله رضي بأن ينال ما هو أقل من إمكانياته وخبراته..كل ما في الأمر أن" الرجل "أبى أن يستغل موقعه في تحقيق مآرب وغايات دنيا لا ترقى لمستواه العلمي والأخلاقي والديني..ولست هنا لكي أوضح مدى رفعة مثل هؤلاء الرجال ..فهناك أناس لا نستطيع حتى الإعجاب بهم ..ربما لأنني تعودت ان أعجب بمن بذلوا قصارى جهدهم لتحقيق المنتهى والغاية ..لكن قناعتي هنا بأنه لم يبذل أي مجهود يذكر لمقاومة الإغراءات المنصوبة أمام ناظريه ..لم تكن هناك أي دواعٍ ضرورية أو احتياجية أو حتى أمنية ..تدعوه إلى مجرد طرح الموضوع للمناقشة ..وذلك لأنني أعرف امثال هؤلاء الذين تدلهم فطرتهم إلى الحل والسبيل ..هم سرعان ما يتبادرون إلى ذهنك لدى تلاوتك " وأَصْحَابُ اليَمِيْنِ مَا أَصْحَابُ اليَمِيْنِ" ..هم عرفوا قيمة الأغراض الدنيوية الحقيقية ولم يعطوها أكثر من حقها ..ولكنهم في نفس الوقت لم يتخاذلوا عنها ولم يتكاسلوا ..منحوها كل ما يمكلون من أرق وعرق وبذلوا أياما في السهر وساعات من الجهد إلا أنهم ظلوا على إعتقادهم بقلّتها أمام ما يؤمنون به ويلتزمون بتطبيقه ..فأعرضت عنهم الدنيا- بعد أن منحتهم مكافآت تقابل المجهود المبذول لا أكثر- واستقامت مستقبلة آخرين
والآخرون هنا هم سبب ركوني إلى الكرسي اليوم بعد أن كنت أنوي قضاء بضع ليال في الراحة والسكون..الآخرون هم من أحبوا الدنيا بكل طاقتهم فإما اعطته وإما تولّت .. من انحنى أمامها فاغرا فاهُ لكل صغيرة و كبيرة تقربه إليها..وسعى إليها وجوارحه جاثية علّها تمنحه الفتات لا ليقتات فقط ..لكن ليسد شغفه الذي لا - ولن- ينتهي أمام مغرياتها .. وهذا ليس بالجديد علينا سماعه ..لكن الجديد والغريب وما أرّقني بالأمس عندما دار حوار بين صديقي هذا وبيني تخلله سؤال عن ظروف عمل والده في الوقت الراهن ..فبادرني بأنه يمر بحالة نفسية سيئة ..واحباط جم..لما آلت إليه احوال من حوله ..وكيف صغرت قاماتهم أمام أنفسهم قبل أن تهون أمام الغير ..وكانت الطامة الكبرى ما أخبرني به عن سؤال والده لأحد زملاءه عن سبب استغلال المكان في التكسب والتسيب والنهب ...إلخ مما يطول شرحه ويصعب فهمه..فما كان من صاحبنا إلا ان اخبره ان ذلك يدخل تحت بند" إنه رزق لأولادي ..اقتسمه الله لي"..وهنا كانت الفاجعة ..هنا قـُـصِم ظهر البعير بدون قشة..و أي قشة بعد هذه الكلمات التي خرجت كرصاص النيران الصديقة - والغير صديقة- لتضرب سنيناً مما بُذل من جهود أناس قبلنا ..ربما مشكلتهم الكبرى انهم لا يزالون يظنون ان مبادئهم وقيمهم هي" الثابتة"..وأن ما غير ذلك ليسوا إلا قلة سيجتثونها من فوق الأرض ما لهم من قرار..ربما لم يفطنوا بعد إلى ان الشيء العادي -في ايامنا هذه- ان تكون سارقا ..متربحا من عملك ..مستغلا لمنصبك ..وربما السبب أنهم لا يستطيعون تصديق ان ما بذلوه من غالٍ ونفيس قد ذهب سدى ..سنوات تحت أصوات الرصاص الذي يصم الآذان منبطحين على رمال ياملون ان تشفع لهم بأنهم حموها عندما يقف الجميع للسؤال ..تبعتها سنون تنضح مرارة وغربة وشقاء ..ولعل ذلك كان ليلحقوا بما بقي من قطار الدنيا من نعم ..!لكنهم لم ينسوا أن هذه البلد هي أمانتهم فحافظوا على أن يكونوا مرآتها ..وبعد كل هذا يأتي من يقول لهم إنني أسرق مال بلدكم لأجل أولادي..أسرق ماضحيتم به ..أسرق أحلامكم ..أسرق دمائكم ..وليس لأن اولادي سيموتون جوعا ..لكن لأنني إمرؤ غلبه الجشع حتى وصل بي الهوان والذل انني أبرر ذلك..ولسنا هنا ببعيد عن بني اسرائيل الذين قالوا " لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَام ٍوَاحِدٍ" ..لم يكن هناك جوع ..لم تكن هناك حاجة ..بل كانوا يأكلون أرقى وأنقى وأطهر طعام ... -طعام اهل الجنة- ..لكن الجشع والدنيا عندما تطغى على القلوب تجعل الناس تنأى جانبا ببصرها عما في أيديهم ..إنهم دائما في سباق مع ملذاتها ..ومع رغباتها ..وهنا استغرب من يتحجج بسلوكه ونهمه انه من اجل أبناءه ويتعجب فيما بعد من سلوك ابنه الذي أدمن وابنته التي لا تمشي بنصيحته ..ويدعي أنه منحهم سنين عمره لنشأتهم لكي يكونوا في أحسن حال .............من الحرام!!!!!!!!؟؟لكنني اليوم أقف مناديا كل سارق تربح من مكان عمله ..كل مرتشٍ انتظرني لكي" أغمزه "في يده بورقة لينجز عملي..كل مستغل لسلطته في التكسب والتحكم في عباد الله ..إنني اليوم لا أجد بدا من الوقوف على الكرسي ..-عوضا عن الجلوس -..ليصل صوتي إلى الجميع : اسرقوا ..وانعموا في كل هذه المتع الزائفة ..استغلوا.. لكنكم إن وجدتم من يداهنكم اليوم فلن تفروا من العقاب غدا ..وادعوكم من هنا أن تبذلوا قصارى جهدكم لتنافسوا هذه الدنيا وتسابقوها فإما وصلتم أنتم ..وإما انتصرت هي ..!! وانتم تعلمون أنكم ستذهبون ..وتفنون مع افكاركم ..وأعمالكم ..ولن تبقى إلا هي يؤنسها شَجِع جديد ..ويؤرقها بقاء ذكرى "رجال " أنكروها ...فذكرتهم .

الثلاثاء، ٢٣ أكتوبر ٢٠٠٧

عبده فهـــــــــــــــلوة ...إلى أيــــــــــن..!!؟؟

آثرت أن تكون أولى جلساتي على كرسيّ متضمنة حديثاً عن صنعة أو حرفة مصرية خالصة ..ربما كانت بعض الأمور الأخرى أكبر أهمية وأكثر خطورة لدى البعض ..لكني أرى أن الحديث عن هــذه الظاهرة له عبق خاص ورائحة مميزة ..إنك قد تجد الكذب منتشرا في كل مكان ..والحيلة يرتع فيها أي امرئ كان...والتضليل..والتمثيل ......لكن أين قد تجد هذه الصفات كلها مجتمعة كما تجدها هنـــا..؟قد يعتقد القارئ لأول وهلة أني أذكرها على انها صفة ذميمة بحتة..بل على العكس فإن هذه الصفة لم تتخذ هذا المنحى اللئيم إلا بعد أن زادت عن الحد وأصبحت مأوى لكل من لا حيلة له..بعدما كانت تقتصر على فئة معينة كثيرا ما كانت تصرفاتهم هذه مصدر تندر والذي قد يصل إلى مرحلة الاعجاب لدى البعض ..وتقول المصادر أن أصل كلمة "فهلوي"هو " بهلوي" وهي فارسية تعني سريع الحيلة والبديهة ..!!فالذي كان يوصف - في تلك الآونة- بالفهلوي كان شخصا مميزا -وإن تعرض لبعض الانتقاد- ..وربما اُستعين به لدى المرور بأزمة عارضة لا نستطيع التملص منها إلا بحيلة من حيل هذا الفهلوي ..

هنــا مربط الفرس ..فبعدما كانت " الفهلوة" حرفــة أوخصلة يمتاز بها البعض عمن سواهم بات الجميع يدعي معرفته بأصولها ..بل لقــد صار الكثيرون لا يعتبرون أنها من الأمور المنتشرة أو الشائعة ..وتعدت حدود ذلك لتصبح من علامات الهوية المصرية ..وبات المرء يعرف بمصريته الخالصة بكونــه فهلويا بالفطرة أم لا..وانتشرت القصص والحواديت التي كنا - ولا زال البعض-نتباهى بها ..حتى ولو كنا نعرف مسبقا بأنها من نسج خيالنا - الذي لا ينضب- عن كوننا قد أصبحنا علامة مسجلة في هذا المجال ..بل لقد انتفضت " المافيا الإيطالية " بجلالة قدرها لما يقوم به المصريون من حيل ومهارات ..وأصبح الإيطاليون يغارون منا ويقولون " أنتم لا زلتم نعتبركم إخوتنا الصغار في الفهلوة " وذلك حتى لا يفقدوا مكانتهم العالمية .."نحن بالطبع نتفوق في مجال التلميع الذهبي - والفضي- على الفهلوة في حد ذاتها لكنني أفضل إفــراد مساحة أخرى لهذا الموضوع فيما بعد إن شاء المولى"..وبذلك أصبح المصريون هم أسياد الفهلوة العالمية ..وإن صعب عليهم ما وصل إليه حال إخوانهم " الطلاينة" فتنازلوا طواعية لهم عن هذه المكانة ..كشهامة رشوان التي جاءت في الإعلان.
وعندما تنظر حولك لا تجد أدل على ذلك من كون المصريين يتنافسون في إيجاد أصعب الحلول للالتفاف حولها ..حيث المتعة والاثارة ..وربما الغمزة واللمزة الكعب كما يقول " حمادة إمام".والغريب أيضا في الموضوع أن العادة كانت منحسرة في المدن وخاصة الكبرى منها ..لكنك الآن لن تتعجب إن رأيت أحد الريفيين الذي لا تبدو عليه أدنى أعراض " النباهة " أو الذكــاء ..يستخدمها معك..ولن تجد أكثر سماجة ومدعاة للحيرة من هذا الأمــر لأن الثوب ليس فقط واسع عليه ..لكن ألوانه كذلك هي الأخــرى من الألوان المشعة التي لاتصلح مع البيئة التي قدم منها هذا الريفي ..ولكن العذر الذي نستسمحه له ملله وضيقه من استغلال أبناء المدن للسذاجة التي قدم بها من بيئته وأيضاً عدم فطنته للفرق الجلي والواضح بين "الفهلوة" و"الخبث "..ولربما ساقته سجيته لابتكار العقبات والبحث عنها حتى يظن الذين حوله أنه قادم إلى المدينة حالاً ألغازها..سابراً أغوارها ..لا كما يظنون
ومن هنا باتت العادة التي كنا نتندر بها ..وتميز بعضنا الذين نلجأ إليهم في أزماتنا وضيقنا ..إلى هوية ..وليتها أصبحت هوية ناجحة بل لقد غدت" مسخا" لا يمت للفهلوة الأم بصلة ..وصار عبده الفهلوي مثل أبو زيد الهلالي وعنترة ...ضربا للأمثال ..وأسطورة ليست حية ....ولا حتى ميتة

السبت، ٢٠ أكتوبر ٢٠٠٧

الكـــــرسي..!! لمــــــــــــــاذا.؟؟

بدايــة أهنئ نفسي " تلك الخاملة الكسـولة" على انصياعها أخيرا لطلب العديد من الأصدقاء بانشــاء هذه المدونة..ولست هنا بصدد شرح عدم اقتناعي بانشــاء مدونة لن يقرأ مضمونها سواي ..وربما البعض ممن يكنون لي أواصر المحبة والقناعة العمياء.
ولكننا هنا لنناقش السبب من اختياري لهذه التسمية .."الكــــرسي" .. وذلك لكوني أنشأت المدونة ككرسي اعتراف : نعترف فيه جميعا فيما بيننا بأخطاءنا وزلاتنا وعيوبنا ..صحيح أن المقصود هنا هو الأخطاء العامة ولكن لا مانع من مناقشة بعض ما يجد في حياتنا الشخصية ..إن قناعتنا هي بأن ما نحن فيه هو نتيجة لتخلف سياسي ..ناتج عن وسائل القمع والممارسات التي يتبعها النظام الحاكم ومن يوالونه -أنا لا أخفي ذلك ولا انكره -ولكن عندمــا أنشأت هذا "الكرســي" كنت أعلم ان هناك العديد من المدونات ..وصحف المعارضة لاتمل من مهاجمة النظام بل وشخص كبار رموزه ورجالاته " وفي أحيان كثيرة نسوانه"..ولا أخفي أن الاختيار قد وقع عليه من بين عدة أسماء لكنها في النهاية تحمل جميعها نفس المعنى..وقد كنت أنوي أن أجعله إما " كيفما تكونوا " ..أو " من اعمالكم " لكنني آثرت الاسم الذي وقع اختياري عليه أخيرا. إن هذه البلاد تقبع في غياهب من ظلمات اجتماعية وأخلاقية لن تستطيع الحلول السياسية وحدها جذها ..ربما انشغل الكثير منا بالتغيير السياسي ..والدستور ..والانتخابات ..لكن هناك كثيرون لا يلتفتون إلى هذا او ذاك ..أناس بسطاء كانوا فيما مضى نطلق عليهم مطحونون كادحون..وهم موجودون في كل البلاد وعلى مر العصور لكن ما نراه الآن مجرد أشباح واهية ..ظلال آدمية فقدت أقل ما يمت للبشرية من صفات ..هم ليسوا متدينين ولا جاحدين ..ليسوا أسيادا ولا عبيدا..اختاروا نمطا جديدا في الحياة بل ربما لم يكن كذلك ..ولكنه أبــدا لم يكن بالانتشار الذي نراه الآن .."مُذبْذَبينَ بِيْنَ ذِلِكَ لاَ إلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ" ..ترى كيف أصبحت هذه الطائفة هي المسيطرة؟؟
كيف صارت من سلوكيات تجب محاربتها إلى نمط حياة ومسار دولة ومجتمع بأكمله..كيف أصبحت " الفهلوة " و" الهبل عالشيطنة" شرعة ومنهاجا لأناس أنتمي إليهم ..ربما كنت في يوم من الأيام فكرت في الحلول السهلة لكنني هنا أختار الحل الصعب والصوت الذي ربما لن يسمعه إلا القليل..وربما لم يكن لصوتي هذا أي أثر سوى صدىً يعود إلى ..ولن يهمني لأنني كلما شعرت بحنين إلى" الفضفضة"..سآوي إلى هـــذا "الكـــــــــرسي"

انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام