الجمعة، ١٨ يناير ٢٠٠٨

ومـــــــــــا أبـــــــــــــــرئ نفـــســــــــــــــــي!!

لأول مرة منذ أول جلساتي على "الكرسي" لا أجد ما أستهل به كلماتي ..
لأول مرة يكون ذلك هو العائق أمام طرح الفكرة المرادة..فالأزمــة لم تكن أزمــة توقيت أو انشغال ككل المرات السابقة ..لكنها أزمــة بــداية ..
وكــم كــان طريــفا ومن المفارقات المضحكــة المبكــية ..أن الموضوع الذي نحن بصدد التفكير فيه يتحدث عن ذات الأزمــة ...البــدايــة
وبعد طول تفحيص وتمحيص ..قررت أن ألعب دور المشاهد للوضع ..وأن أتصرف كأنني لا أمثل صورة من صور المشكلة ..
أن أبدو كأحد المحللين الذين يتباهون على شاشات التلفزيون ..والذين ألتفت إلى وجاهة "ربطات العنق" التي يرتدونها أكثر مما أنصت لما يقولون ..وأن أتحدث "عن الشباب" لا نيابة عنهم ..
صحيح أن الظروف تكالبت على الشباب في الآونــة الأخيرة ..وتغيرت ظروف عــدة ..ليست سياسية فقط كما يظن البعض لكن استتبعها تغيّر ثقافي في المقام الأول فالشاب لم يعد يجد المنبر الذي لا يخلو من مفكرين ومبدعين ينهل منهم ويقارن بين ما يمنحونه حتى بات الأمر لا يعدو عن كونه تلقينا ..يتصيد كلمة من هنا وأخرى من هناك ..علها تنفعه ساعة إمتحان ..!!
ناهيك عن الظروف الاجتماعية التي ربما ملّ الناس من حديثي فيها لكنني لن أمل ولن ألين -كما يقول الرافعي في نشيده- ..لن تكون لي جلسة إلا وسأتطرق إلى المضمون الاجتماعي الذي لا أنشد لسواه حلاً ..فلست أرغب في رفاهية ولا أن تناطح أبراجنا هامات السحاب ..فكثيرا ما أشيد ببساطة وعراقة مصر الشعبية قديماً..التي رغم هــذا كــله كانت أنيقة ونظيفة و...."محترمــة"..نعم كان أهلها يحترمونها ويجلونها كما يجلّون الشيخ الوقور ..فلما أهانوها في حاضرهم ونســوا فضلها أعاد الله ذلك في أنفسهم فهانت وذلت واستكانت..
حتى صفعتها الكفوف وداستها الأقــدام ..والأصعب أن تلوكهــا الألسنة ولا يحسب لها حساب بعد أن كانت تقوم لها أمم احتراما وتقديرا..
الشباب الآن ليسوا جناة لآخــر المــدى ..وليســوا ضحايــا على الدوام .فالعوامل التي أدت الى ماهم فيه منها ماهو مفروض عليهم ومنها ما هو بأيديهم ..
فمثلا التعليم الفاشل ..والتغييب السياسي..والتهميش الفكري..جعلهم مرتعاً خصباً لاحباطات ..ولأسهم خارجية تتلاعب بهم كيف شاءت ..!!
أيضا هناك عوامل أخرى لا يجب نسيانها..فالآبــاء مثلا عندمــا رأوا الازدهار الذي تمر به البلاد أرادوا -عن حسن نية- ألا يمر أبنائهم بمثل تلك الصعــاب التي مروا بها..أثناء الحروب والتكتيف الاقتصادي للظروف العامة ..ولظروف البعض الخاصة ..فنال الأولاد ما يشاءون..
إلا أن ذلك عاد عليهم بالتكاسل والاعتماد ..فعندما خرج لمعترك الحياة وجده صلدا ..ووجد نفسه لا يقدر على شيء لمواجهته ..وأنه أصعب مما يظن ..فأصبح مهموما محبطا مضطربــاً ..ليّــناً خائر القوى لأنه ولأول مرة لا يمنحه أحد ما يريد واضطر لأن يعتمد على ذاته وعنفوانه هو..
وشيء أخير لا يمكن تجاهله أن وجود هذا الجيل في مرحلة انتقالية متسارعة أثر على حياته العملية ..فالوقت لا يتسع لأن يفكر في شيئين في آن واحد..واتسعت الرقعة وضاق الأفق أكثر فأكثر ..فلا زلنا متقوقعين داخل أنفسنا ومحيطنا الذي نحن فيه ..ولا نكلف ذاتنا هذه عنــاء البحث والخروج والتنفس..
البعض منّــا يفضل أن يسافر ويتغرب وربما يُهان في بعض الأحيان ..ولا يهم بما أنه في غربة ..ولا يقبل أن يتغرب داخليا في أسواق جديدة ومدن بعيدة عن أحضان أمه ..ودفء جيوب أبيه .. لا أقول أن من يسعى للكسب خارج الحدود قليل شأنه-لا سمح الله- ..بل نعزهم ونحترم اختيارهم ..بل إنني أهدي جلستي هذه لكل قامة منهم تقديرا واحتراما
ولا أقول إن الخيارات هنا وردية وأن الحكومة عندنا "رشيدة" كما هي لدى العيديد من البلدان الشقيقة ..
لكن النجــاح الذي لاتتخللــه مصاعب ..والطموح الذي لا يستعد لاقتحام التحديات مهما تصلبت ..لايكون ذا طعم ولا يرضي صاحبه " إلا أولئك الذين ينشدون الماديات السهلة والأرباح مع الراحة ..فدعهم يبحثون علّهم يصلون الراحة الأبدية"
أراهن أن كل من نسمع قصصهم ونرويها في حصصنا العقيمة ..كل هؤلاء من علماء وأبطال وكتّاب وحاملي الجوائز المختلفة واجهوا عقبات وأفكارا مشوهة حاولت عرقلتهم لكنهم نهضوا ونفضوا عن أنفسهم غبار الأفكار الصدأة ..وتابعـــــــوا..............

أعزائي قديــمــا قال الحكمــاء" مشــــوار الألــف ميل يبـدأ بخطــــوة"

لكنني أناشدكـــم أن تخــبروا من تقابلون من شباب اليــوم أن مجنــونــا من هذا الزمــان يقـــول " مشــــــــــوار الألـــف ميل يبــــدأ بــ .........عــثـــــرة" ..

ليست هناك تعليقات:

انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام