الأحد، ٣٠ ديسمبر ٢٠٠٧

دعـــــم الرغيف ..أم دعــــــــم مجتمع ..!!؟

وقفت الحكـــومة لتشرح -متمثلة في رئيسها الموقر- لأبنـاء هذا الوطن ..أو" للشعب" ..ما حققته وما هي بصدده من انجاز وعمل دؤوب من أجــل صالح هذا الشعب المسمر أمام الشاشات مترقباً ما سوف تحن به عليه من قرارات ..
وبعيدا عن البحث في كم الانجاز والأرقام التي ذكرتها الحكــومة ..اتضح لي -كمواطن مسترخي على كرسيه -أن الدولة لديها أزمــة ثقة "غير رسمية" ..فتحول الحوار المطروح إلى طلب المشاركة والتعاون الذي بدوره تحول "مع طول فترة البيان" إلى شيء ما قريب من " الاستجــداء" ..وهنــا كان لا بد من الوقفة ..أو بالأحرى "جلسة " على كرسيينا لنبحث معا عن السبب وراء هذا الحوار..
دائما ما كنت أتساءل : لماذا لا تعمد الدول-كل الدول- لموقف الحكومات العربية ..من تغييب المواطن عما يدور حوله من سياسة !!؟.
وبنظرة فاحصة لخطاب اليوم ستجد أن سياسة الابعاد تلك عن بواطن السياسة ..أدت إلى تفشي الأمر واستفحاله ..حتى طال أمورا أخرى بعد -القضاء على الوعي السياسي -..فاندثر الوعي "ثقافـيـاً" .."صحياً" .."وأخيرا وليس آخرا " اجتماعيــاً".........
ولعلنـــا قد نكتفي بالأثر" الاجتماعي" تلخيصا لكل ما يعود بالاثر على سابقيه ..وكذلك لأنه كان محور الاهتمام كما يتضح لمتتبع لغة الحكومة ليس في خطاب اليوم بشكل خاص ..وإنما في ما يصطدم بوجهك في لافتات الشوارع واعلانات التلفزيون ..وفي كل مكان.
أصبحت الحكومة اليوم هي من تنادي للمشاركة ..أصبح الهاجس الحكومي بعث الهمة والنشاط من جديد داخل المجتمع الذي صار مهلهلا..
وللمساهمة في ذلك تطرقت الحالة "التجديدية " إلى أمور تعود فوائدها على الآثار الاجتماعية .."واستحضارا مني لكل أصحاب التوجه التشاؤمي" لنفترض أن الحكومــة لا تبتغي راحــة المواطن الكادح كما اعتادت أن تتشدق في جولاتها المتتابعة ..
هذه المرة يتضح أنها في مأزق حقيقي ..لأنها اليوم تفتقـد أكثر من مجرد سلطــة ..تفتقد "أمـــــة" ..ولربما أفقدها جزءا من مشروعيتها أمام نفسها فأي الحكومات تلك التي لا شعب لها ..
وإذا عدنــا إلى أحــد محاور الخطاب الحكومي ..نقف مطولاً عند الإشارة الواضحة إلى "أخلاقيات الشعب الأصيل " وتكرارها أكثر من مرة..
في نبرة اكتستها زفـرات الترحّم والذكريات المختفية خلف الكلمات ..
لننحي الحكومة جانباً لبرهــة ..ولتذرف دموعها بعيدا عنّــا ..ولكننا لن نكتفي بمتابعة ما ستؤول إليه جهودها من فوق جسور معلقة ..
الفكـرة التي تعتصر الذهن حاليا ..أين هو التحرك الاجتماعي ..؟؟ وأين ما كان ينتشر من العمل الأهلي الذي لا تخلو منه أي دولة مهما بلغ تقدمها ومهما وصلت من التطور والرقي ..لأن المشاركة الأهلية لا ترتبط بقوة الدولة ..بقدر ما ترتبط بقوة "مجتمع"..
قد يرى البعض أن المجتمع لا يخلو من مظاهر التكافل والمشاركة ..ويعزو آخرون عدم لمس الموضوع بقوة إلى التطور السريع الذي جعل عجلة الحياة تدور دون أن تترك مجالا -كما كان قديما- لأن تكون هذه المشاركة بالشكل المتعارف عليه..
وللرد على ذلك نقول إن مظاهر التكافل كانت أقوى في ظروف أحلك من هذه ..وأكثر أزمات البلاد اقتصادية في أزمان مختلفة ..كما أن التطور الذي يلحق بنا ..هو نفسه إن لم يكن أقوى ما يدفع أماكن أخرى لم ينس أهلها هذه الروح..
ولا تنحسر المساهمة الأهلية في البذل المادي ..دون متابعة الأهداف التي من أجلها تم هذا البذل..
ولا يقتصر الوضع على القادرين ..فكل يعمل على قدر سعة يده ..لكن غياب الثقافة الاجتماعية ..ولّد لدينا شعورا بأن العمل الاجتماعي يجب أن يكون قاصرا على فئة معينة" مقتدرة" ..ولصالح فئة أخرى ..كون الحياة كلها باتت " مـادية"..
أمـا الأمور والحقوق العامـة فهي من باب واجبات الحكومة التي دائما لا تقوم بأداء ما هو منوّط بها ..
وتمضيي العجلـة ..والسباق من مرحلة..إلى أوسع منها ..!!!
لقد تخمرت لدى المواطن فكرة توارثها مقتضاها أنه "مكفول " من قبل طرف آخــر ..-ولا نعني هنا المعنى المتعارف عليه في دول شقيقة - فالمواطن له حق توفير الصحة والتعليم والعمل والزواج و....الخ من متطلباته التي يتذمر من عدم قدرة الدولة على تحقيقها..
ونسي أن الحق هنا حق متبادل ..فكما أن هناك ضريبة الدم المبذولة في الجهات العسكرية ..هناك ضرائب أخرى عديدة نستطيع بعدها مساءلة الحكومات كما نريد ..
فقد نسينا أن الشارع الذي نحن فيه له ضرائب احترامه والمحافظة عليه ونظافته ..
نسينــا أن الموظف يجب أن يحترم المكان الذي ينتمي إليه كضريبة الانتماء إليه ..وأن يبذل جهده قبل أن يسأل عن حقوقه ومعاشاته..
حتى التعليم لم تصبح له بل الأهمية بعدا فرغ جيلاً نمدحه حين نصفه "بالأمية"..
ضريبة الجار ..ضريبة الصداقة..ضريبة مجتمع بأسره تنتمي إليه ..ولست هنا أشير لأي مبادرات "مادية بحتة"..
صحيح أن الحكومة لا تفي بوعودها وهذا ليس بغريب عليها ..إنما الغريب أن ندخل معها في عناد ونحن نعلم ان الضحية الوحيدة هي كيان ..وبلد ..ومجتمع لا يحمل من الحياة الاجتماعية حاليا ..إلا الاسم فقط..
ربما كان السبب أن من طباعنا أننا لا نعرف التوسط في الأمور ..فإما الرد العدواني والصوت الحنجوري بلا أي طائل ملموس..
أو السكينة والخمول والتسليم بقضاء الله الذي قال " إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيّرِوْا مَا بِأَنْفُسِهِمْ "

كم كنت أودّ لو كان لنا عين بمحاسبة الحكومة على ما تقوله ..وأن ترتفع أبواقنا منددة بموقفها من قضايا مختلفة ..
لكن خجلاً يمنعني أن أتحدث نيابة عن شعب أرادوا سلب إرادته..فتنازل عن"الروح"...!!!

الأحد، ٢٣ ديسمبر ٢٠٠٧

"بـــلاك تيــما"..أفلتــــــوا زمــــام المجنـــــــون ... فكـــــــان سعيـــــدا

من أجمل اللحظات التي أتحينها بين حين وآخر تلك التي أقضيها متأملا على هذا الكرسي لأطرح - بيني وبين نفسي - أفكارا تتجمع بسلاسة لتسيل أخيرا -بعد الترتيب- على الأوراق أحبار تتآلف فيما بينها مشكّلــة هذه المقالات ..
لكن أصعب ما يمكن أن أمــر به في هذه الأثناء أن تظل ذكرى حادثة ما عالقة في ذهني لفترة طويلة ..وتأثيرها على تجميع الأفكار يظل مستمرا حتى أنني أخشى أن تنصبغ الأفكار به ..وتخرج عن السياق الذي من أجله أكتب..
لكنني اليوم -ولأول مرة-لم أحارب هذه الحالة..بل إنني قد أستدعيها مراراً وتكــرارا وفي مقالات لاحقة كلما استدعى المجال لذكرها..
ذلك أن الأمــر لم يعد مجرد ذكرى لحادثة ..أو مجموعة أغانٍ لم أستطع كبح نفسي عن ترديدها ..
لقد بــات الأمـر بالنسبــة لي "نجــاح فكـرة" عايشت العديد من ظروفها ..وأحداثها ..بل وصعابها ..ومررت مع أطراف القصة باليوم السعيد ..والحظ العنيد ..فكان نتاج ذلك ما شاهدتــه أمام عيني وفي عيون من حولي من عصارة المجهود والعرق المبذول في سبيل انجاح الفكرة..
فكل قصصنا كانت فكرة..
بل ان حياتنا كلها ليست أكثر من مجرد "فكرة " ..اذا اُستغلت جيــدا كان الطريق المتعارف عليه نحو النجاح..
والفكـــرة ليست ســوى" طفلة "..ليس علينا سوى أن نوليها الرعاية و والاحتضان الكافي ..
و"بلاك تيما " أحــد هذه الأفكــار المستمدة من صرخــة أطلقها الشـارع ..متمخضــاً ومعلناً ولادة فريق جديد ..وشكــل جــديد لهــذا الجيل..
Free Image Hosting at www.ImageShack.us
حقيقةً لست هنا لذكــر ظروف وملابسات إنشـاء الفريق ..ولا لسرد تفاصيل الأحداث التي صاحبت مشوار أعضاءه..
ولكن ربما سأكتفي بذكــر ما مر أمامي أثناء استمتاعي بحضور آخــر الحفلات التي شدى فيها "الفريق" بأجمل ما لهم ..وبأروع الحالات التي يمكن أن يكونوا فيها..
ما رأيته بالأمس كيف أن الطفــلة الذي شهدت ولادتها ..بــاتت سيـدة فائــقة الجمـال..
ما رأيته يقول انه لم يعد بالامكان ايجاد الأعذار لأي هفوة بعد الآن ..فقــد حان وقت المسؤولية الحقّـــــة..
ما رأيته كان رسالة لكل من عاصروا الحــالة -مثلي- بــأن النجــاح الذي لا يسبقه احباطات ..ليس بالقوة التي يمكن بها أن يستمر..
كانت من أصعــب المراحل على الفريق تلك المرحلة التي كان عليهم فيها ايجادهــوية لهم ..
كان عليهم ان يصلوا بأنفسهم ..وأن يشرحوا مضمونهم للجمهور ..
كل هــذا كان قبل حتى أن يبدأ الناس بترديد الأغاني .
واختاروا الطريق الأصعب ..والمجازفة ..و المحاولة "التي عُدّت مستحيلة" بالدمج بين الروح العصرية ..والمضمون الجيــد..
في البداية كانت الحالة صعبة على الناس..صحيح أنه سبقتها تجارب عدة..لكن هذه التجربة مختلفة ..وهو ما زاد من صعوبة المهمة ..
ولم تزدهم هذه الاحباطات الا عنادا ومثابرة..
مشكلتنــا أننا لم نواجــه تلك الصعاب التي تختبر صلابة ارادتنا إلا في مرحلــة متأخــرة ..كانت النفس فيها قــد تعودت أن الحياة ليس فيها إلا كل شيء جميل ..فأدى ذلك بنــا أن توقفنا عند أول معبر ..لم نكلف أنفسنا عناء إبراز هويتنا..!! لم نمنح الظروف الفرصــة لأن ترى سواعدنا مشمرة استعدادا للمواجهــة ..فبدلا من ذلك رأتنا نرتــــد القهــقري ..ونعطي ظهــرنا لها .. ظنـّـا من العديد أنه ربما حنّت ورقــت لحالنا وتنادينا رأفــة لتعيد أحلامنا معطرة ومغلفة بالورود والرياحين ..!!
وهـــــــذه هي الآفــــــــة التي تتغلغل في عقولنــا ..وتسكــن أرواحنـا..
نسينا أن الظروف لاتلين أبداّ ..حتى ولو لانت عزائمنا..ولا تهوّن من نفسها ..حتى ولو هانت علينا أنفسنا ..وأحلامنـا..
ربما كان السبب نشأتنا في ظل ظروف حديثة لم يكتنفها حدث جلل يهزها ويحركها..
ووجــودنــا في أمــة تركت نفسها عرضة للأهــواء والتخبــط ....والعشـوائية ..
لكن هنـاك من من لم يرض لنفسه أن يكون تحت رحمــة الظروف مهما كانت قوتها ..
كم كان جميــلا أن أشـاهد من لم يقبــل بأن تهزمـه الظروف..
كم كان رائعاً أن أرى أنــاسا ينتمون إليّ - وليس مجرد قصص أسمعها- ينجحون ويخترقون بالعزائم ...حواجز الصمت ..والصبـر
كم كان شجياً..أن أرى تلك الفكرة التي شهدت ولادتها ..والطفلــةً التي لا تنفك تشاغب للوصول إلى مبتغاها ...ما أجمل أن أراها اليوم عروساً من أروع ما يمكن أن تكـــــون تستقبل مرحلــة جديدة وجميلة من حياتها..
كــم كنتـم أذكيــاء ..عندمـا أيقنتم أن الناس إن لم يستطيعوا الصعود إليكم ..فبإمكانم النزول والأخـذ بأيديهم والارتقـاء بهم ..


كـــــل عـام " أصدقـائي" وأنـتم أجمـــل ..وأقــوي !!



الاثنين، ١٧ ديسمبر ٢٠٠٧

بــــيـــــــــــــن الحـــــــــــــــــب........والواجــــــــــب !!

كم كنت أتمنى ألا يخيب ظن القارئ بعــد أن اجتذبه العنوان ممنياً نفســه بأن يتجول بين شطآن الرومانسية البحتة بقصصها ..وشجونها ومآسيها ..وأفراحها القليلة..
لكن جلسة اليوم - مع ما يحمله من عبق روحي ..وصفاء في النفس -توحي إلى إلى ماهو أرقى من ذلك ..
فهذه الليلة تجتذبني إلى الحديث عن الحب بكل معانيه ..وبشكل أعمق وأدق أكثر من الاكتفاء بالجانب الرومانسي المتعارف بين الناس " الشباب منهم بالأخص"..
ويبدو أن ما دعاني لذلك أنني لاحظت شيئاً لا أبالغ حين أقول أنه قد هزّ كثيراً مما كنت أعتقده ..وهذه الملاحظة ليست خاصة بي فحسب لكنها تمتد لتطال أمــة بأسرها ..وآفتي أني آليت أن أحمل في رحلتي همومها ..ومشاقها ..
وحتى لا يجتذبنا الحديث إلى منحىً آخــر فإن ما لاحظته يتمحور حول كلمات بسيطة ..تحتاج إلى مجلدات لبسطها وتحليلها ..فنحن أعزائي
" جيـــــل لا يعــرف كيف يحب"..!!!
نعــم ..وربما كانت صدمــة العديد في محلها ..فالعادة جرت على أن نغرق مسلسلاتنا وأعمالنا الأدبية والاعلامية وحتى الغنائية بكل معاني الحب والرومانسية ..ولعله ما أدى في بعض الحالات إلى إقحام هذا الأمر في مواضع عديدة لا تستدعي ..ولا تحتمل الموقف..
كل هــذا حتى نقول لأنفسنا -قبل الآخرين- أننا شعب عاطفي ..يبكي عند أصغر حادثة ..ويتأثر بالموقف حتى أنه لا يعرف الفصل بين القرار العقلاني والانفعالي..ونريد دائما إيصال فكرة أن أي منا لا يستطيع التخلي عن " الحب" حتى في أحلك الليالي ..وأصعب المواقف
..وأكثرها جدية .. حتى باتت العاطفة رمزا لزمن ولّى ومضى ..أو مصدرا للتهكم والاشارة إلى الأفلام ..أو بمعنى آخــر" كلام أغاني"
قد يدعي البعض أن في الأمــر مبالغة ..أو قد يتحججون بأن الظروف هي الباعث الأول لهذا الشعور ..!!
وأن الشباب الآن لا يجد الوقت للحب والعاطفــة ..حتى تجاه ثوابت كان الحب الممنوح لها غير مشروط في زمن مضى..
ولكن أي ظروف هذه التي تؤدي بالمرء لأن يكرر علانية أنه يمقت وطنــه..؟؟
أي مصاعب التي تجعله يذكرها بالسوء أينما حلّ ..وحيثما اتجه..؟؟
ليس ذلك إلا نتيجة لأننا لم نعــد نمنح إلا بمقابل ..و انقلبت المادية في حياتنا من مصدر لتحسين أوضاعنا إلى "الوضع" في حد ذاته..والأمل الذي نرتجيه..!
فلم يعد المرء منا يبذل - حتى العاطفة- ما لم يكن ذلك أمام مصلحة مقابلة ..
ويعتقد البعض أنني أتكلم - مثل الحكومة- من برج عال..ولم ألق المصاعب التي من أجلها قد أحكم بجدية عن حال البلد..وأن النشأة خارجها جعلتني لا أدرك مدى الصعوبات التي يلقاها من هم فيها..
ولكن الغريب أن النشأة خارج الحدود لها تبعات أخرى ..وربما كانت أفدح وأقوى ..!!
لكن وراء هذا الشعور التي يتملكني إلى الآن "رجــل" واحد..منذ نعومة الأظافر جبلني على أن "مصــر" لها معانٍ أكبر من مجرد كلمة..
ربما كانت مبالغاته في رسم وردية البلد أدت إلى أن نمى إلى ذهني - وقتها- شعور "جنة الله في أرضه"..وبالتالي كان لابد أن أصدم كلما مررت بالواقع بعد القدوم والاستقرار على أرضها ..
وربما كدت أركن قليلا إلى هذا الشعور ..لولا أن ثبتني الله من عنده..إلى جانب دراستي للظروف التي من أجلها كان يصور لي هذه "الجنة"
وعلمت أن أبي لم يولد وفي فمه ملعقة ذهب..بل على العكس من ذلك ..فبعد أن فقد والده ..كان الخيار التالي منزله ومآواه الأول الذي عرفه ..ومع بيئة جديدة و روح غريبة عليه ...توالت في نفس الآونة على البلاد مشاكل عدة ..وتكالبت عليها الظروف والمحن..
فما كان منه -مع رفاقه- إلا أن ذاد عنها ولم يبخلوا ببذل كل قطرة من دمهم ..وشبابهم الذي يمضي أمامهم ..
وفيما بعد كان أن أعطوها "عرقهم" في سبيل انماء ما سقط أثناء الحروب ..
حتى في رحلتهم ..كانوا يعزون الأمر للظروف السابقة ..ويمنون النفس ليوم العودة ..وفي نفس الوقت توالت المحاولات لاعلاء رمزها في محافل عدة..
كل هــذا صادفني أثناء البحث عن سبب" الحب " الذي يكنّونه ..ومن أجله يبذلون كل شيء..
وللصدمة .!!! لم أجد ما يذكر ..!!
و أبي وغيره كثيرون خرجوا من ديارهم التي تبعد حوالي "الالف ميل" لتشييع "عبدالناصر" إلى مثواه الأخير ..بل إنه دائما ما يذكر حادثة حصلت له إثر التدافع الذي كان وقتها..مع أنه من المفترض أنه كان السبب في تشتيتهم ..وسلب حقوقهم -كما يقول البعض- ..لكنهم كانوا - وما يزالون- يرون فيه رمزا للوطنية ..وللحب .."حب الوطن".
كانوا يرون أن ما أخذه منهم يدخل في نطاق تضحية الجزء من أجل الكل ..وأن الخير إذا طال "الاسم" الذي يناضلون من أجله ..فلا بد وأن يعود عليهم نهايةً ..
"هـذا زمن ولّى ..وراح..!! "
كلمة أسمعها كلما تطرقت إلى مثل هذا الحديث ..
كلمة يرددها أناس يحلفون أنهم في أي لحظة أنهم قد يضعون أيديهم في يد الشيطان إذا وعدهم بتحسين أحوالهم ..
كلمة يقولها من أدعي أنه لا يكن لوالديه أي عاطفة إلا بالقدر الذي يبذلونه من أجله ..فالحياة كلها تتمحور عند هؤلاء في كلمة " أنـــــــا"..

صحيح إنــه زمن ولّى ..
ومع كل تحفظاتي على شخصيات ذلك الزمن العامة ..إلا أنني لا أملك إلا أن أمنحهم تقديري وتحيتي على ما زرعوه في جيل لم يزل حتى في الوقت الراهن -وبعد أن رأى أن تضحياته تنهار وتذهب سدى- " يحب مصر" ..تحيـــةً خالصــــةً لهـــــــم ..!

و "حجـّــــــــا مبرورا أيهـــا الرجل العظـــيم"



الجمعة، ١٤ ديسمبر ٢٠٠٧

يا مقــاطعــي العــالــم ...اتـــحـــدوا..!!

لم تكن في نيتي أبــدا أن أحــول إحــدى جلسات الكــرسي إلى موضوع ينتقــد حملات المقاطعة المنتشرة منذ فترة , ربما كان لأنني لم أطبق ما جاء في أي من بنودها السبب الأكبر في ذلك ..أو ربما -لنكون أكثر صراحة- لم أمتلك من قبل الشجاعة الكافية لمواجهة المقاطعين و سؤالهم عن مدى التأثير الحقيقي للحملات الكبيرة والصغيرة على حد ســواء .. الآفــة التي تتملكني إلى الآن أنني لا أستطيع القيام بما أظن أنه سيعود علي براحة نفسية فقط دون أن تعم الفائدة على الجميع ..قد يختلف الكثير معي ويقولون أن آثــار الحملات واضحة للعيان ..لكنني إلى الآن لم أشهــد إلا كمية كبيرة من "إشباع الذات" وإرضاء النفس في إثبات أنها قادرة في تحمل البعد عن الملذات..لكـن هل حركت ساكنــا ..أو حلت قضيـــــــة ..!!؟؟في الآونـــــــة الأخيرة شهدت البلاد موجــة غضب تفاقمت وتعدت حدود الغضب لتصل إلى المقاطعة لرجل الأعمال الشهير "نجيب ساويرس" أحـد ملوك الاتصالات والمشروعات في أرجـاء المعمورة..لسنا هنا لكي نحلل ما قاله الرجل ..ولا لنناقش مدى انبهاري بعقليته الاقتصادية وجرأته اللامحدودة -مع أني لاأخفي أنها السبب في كتابتي للموضوع-ولست أهلا للتعليق على مدى جدوى الحملة وتأثيرها على حجم المشاريع التي تدور حول العالم ..ولكــن مع كل هــذ الاسترخــاء الذي يتملكني وأنا على كرسييّ اليوم ..لا أجــد بــدا من مخاطبة القائمين على تلك الحملات .." مع أنني لا أعلم من ذا صاحب الفكــرة..ولا من هم أصحاب التصنيفات والناشرين لها"يعـــود تاريخ بداية المقاطعات إلى بداية الألفية تقريبا ..وتحديدا مع الانتفاضات المتتالية ضد الاحتلال من قبل الفلسطينين..وكون الشعب متعاطف جدا مع القضية ..وكونــه أيضا يرى أنه لا حيلة له ..وأن أصحاب القرار يخذلونه مرة تلو أخــرى ..لم يجد سوى أن يعبر عن موقفه ..وكان ذلك - كما رأى أصحاب الرأي والمشورة - بأن قاطعوا المنتجات "الصهيونية ... والاستعمارية .. والامبريالية .. " وتبعها في ذلك ماحدث في "الدينمارك"..وموقفها الشائن تجاه المقدسات والأعراف الاسلامية ..كل هــذا ساعد على إنماء روح المقت الداخلي تجاه كل ماهو غربي ..وتنامت فكرة "نظرية المؤامرة " و"تصادم الحضارات" عن ذي قبل ..وساعد في ذلك الموقف السلبي تجاه القضايا التي تمس الشعور الغاضب..هذه السلبية لم تكن داخليا فقط بل وخارجيا..فكان أبسط رد فعل يمكن تقديمه هي هذه الحملات ..ورأى الناس أنهم إن لم يحركوا ساكنا فلن يقبلوا أن تكون أموالهم سيفا يستخدم في مجابهتهم والحرب عليهم..ولكن..لماذا لم أقتنع يوما بجدوى المشاركة في المقاطعات المختلفة ..؟؟هل لأنني لا أحب الردود الانفعالية ..ودائما ما أعتبرها غير مدروسة ..؟؟أم لكوني " برجوازي قديم" لا يستطيع الاستغناء عن المنتجات الخارجية ..؟؟أم أنه المؤرق الدائم لي ..والهاتف الذي يقلق مضجعي بأن الهرم لم يكن أبــداً ليُبنى من أعــلاه ..!!نعم ..ذلك الهــرم العتيد ..الذي نحلف به ليل نهــار ..ونعيش على ذاكرة أيامه..ونتشبث بتاريخه وعراقته ..لم يكن الفراعنة بكل سطوتهم وجبروتهم ليفكروا أو أن يخطر على بالهم أن يبدأوا بناء الهرم من أعــلاه.. فكافة ما تعلموه وجنوه من معرفة لم تسنطع قلب موازين القاعدة ..وليس ذلك فقط ..فحتى في الرسالات السماوية لم يبدأ الرسل أبــدا بمقاتلة أعدائهم ...بل كانت البداية دائما بالموعظة المبسطة والشرح المنير..ومن ثم نشر التعاليم السماوية و"ترسيخها " في أعماق المتلقين ..وبذلك يتبين للقاصي والداني من حولهم الحكمة من الرسالة التي بعث بها ..وعندها تقوى شوكة اصحاب الحق ..بينماتكون مخالفة ذلك ليست إلا عــدوانا وكبــرا ..فتنتصر "الارادة الحرة " عندهــا..وتكون الغلبة لأصحاب العقيدة "الراسخة" الذين تملك منهم الايمان حتى لم يعد هناك منفذ للشك ..أو التخبط ..كما نراه الآنفالغريب في الأمــر أنك تجد فيمن حولك من يخطب خطبة عصماء عمّا يُحاك ضد الأمة في الخفاء ..وهو لا ينأى بنفســه أن يستغل نفس هــذه الأمــة في التربح والافساد ونشر الفساد.. وهو يدعو الله أن يزيح عن البلاد ما بها من وباء وغم وحزن..؟؟!!!!!!!!!إن هؤلاء هم الأولى أن يحاربهم الناس والأولى أن يقاطعهم المرء ..كل من يغش ..أو يستغل منصبه ..أومظهره المتدين..أو وظيفته البسيطة.. في اغلاق أبواب الرحمة أمام الناس حتى تنقضي حوائجه "النتنة" ..كل هؤلاء أحق بأن يردعهم الناس ..وهم الأجــدر -في نظري- بمجهوداتنا التي ربما وقتها سوف تعم الفائدة ..عنــدها لن يكون هناك ما يقف عائقا بيننا وبين دعائنا ليُستجاب ..وصلاتنا لتكون حقة ..ليست مجرد أداء مظاهر تعبد .. وستصبح العادة..عبادةومن هنــا ..من هــذا الكرسي ..أدعو كل أصحاب الحملات للمقاطعــة للاتحاد في وجه الشرور الداخلية والتي نظنها صغيرة في حين هي سبب بلاءنا وهواننا .. أدعوهم لنقل الأمة من العشوائية والتخبط ..إلى مصاف الحضارات التي حينها ستستطيع أن تواجه وتصارع .. حضارات أخرى" قاطعوا المفسدين في الأرض" ..ينصــــــــركــم من في الســــــــــــــماء

السبت، ٨ ديسمبر ٢٠٠٧

عنــــدمـــا كانــت شعبــيــــة ..!!

كثيرا ما يسألني البعض عن سر تمسكي بكلمة " شعبية" في كتاباتي ..بل واصراري على ان تكون جزءا من عنوان المدونة ..في حين أنهم يرونني أتأفف عند نزولي بأحد الأماكن التي تنتسب إليها ..!!!
وهنا لنا وقفة مطولة ..!!
فالمناطق التي يشيرون لها -من حيث امتعاضي ونفوري- أدّعي أنها لم تعد تملك من " الشعبية " إلا اسمها ..
إنك ما إن تلج إلى أحدها حتى تقابلك روائح لا تستطيع تفاديها ..ربما لأنها تنبعث من المكباّت التي تحاول تفاديها وأنت تتجاوز هذا ..وتعتذر لهذا- الذي ينظر إليك شزراً- قبل أن يناولك لكمة في أم عينك..وأخرى تنتظرك أن تتجاوز الحصوات الملقاة فوق "بركــة" المجاري لتعبر وراءك..!!!!
ليست هذه "الشعبية" التي عنيت عندما شرعت في الكتابة..
حين أتذكر ما كان يُقصّ عليّ عندما كنت أصغر سنّا.. لم تكن تلك الحوادث تخترق القصة ..لم تكن" القمامة" تحتل هذا الجزء الكبير من حياتهم في ذلك الوقت ..!ربما لذلك نجد أن معظم الأماكن الشعبية القديمة لا زالت تحتفظ برونقها ..وحلاوتها..وطعم بيوتها..!!
هناك فرق كبير بين " الشعبية" التي أكتب من أجلها ..والتي أدافع عن أهلها ..وبين هذه" العشوائية" التي انتشلت كل معالم الجمال من مدننا والتي لن ينصلح حالها ..مهما توالت حكومات ..وتعاقبت بلديات ..لأن أساسها التخبط والاهدار و"اللانظام"..
عندما أتى انقلاب 52 العسكري ..تبدلت كثير من معالم الحياة في البلد ..وبعيدا عن الحركة السياسة شهدت الحياة الاجتماعية نشاطا وتقلبات سريعة ..لم تستوعبها البدائل المطروحة ..فبدلاً من أن ينعم الشعب - كما كانت الوعود القائمة - بالرخاء والنعيم ..تحولت الحالة تدريجيا إلى المركزية ..وأصبحت مصر كلها تنصب في العاصمة .. مما أثر على التوزيع السكاني والتكدّس ..واختفت الثقافة المدنية بأن وفدت عليها حياة جديدة لاهي ريفية قحّة..ولا تمت للمدينة بأي صورة ..
لست هنا بصدد تحليل الوضع اجتماعياً لكن لا بد من معرفة أسباب التحول من "الشعبية" التي كانت تتميز بها بلادنا ..والعشوائية التي أصبحت سمتها الأساسية الآن..
إن الفقر ليس عيبا..فعلاً كما يقولون في المسلسلات والأفلام ..لكن العيب كل العيب في قلة الترتيب النظافة المتفشية في ما حولنا ..الطامة الأكبر في أننا نتعايش في وضع أقل من تتحمله مخلوقات أدنى منّا رتبة ..الأزمة في أن السلبية امتدت إلى تكيفنا مع "العشوائية".
في بلاد كثيرة -عالم ثالث أيضا- تتحول المساحات الخالية إلى ملاعب يهدر فيها الشباب طاقاتهم بدلا من الاعتماد على إفراغها في أمورأخرى لاتحمد عاقبتها ..أو قد تتحول هذه الأماكن إلى ملتقى لأهالي "الحارة" ..أو أضعف الإيمان تترك خاوية إلى أن ينظر صاحبها ماالذي ينوي فعله بها .. أما أن تتحول إلى مكب للنفايات في قلب أعماق الشارع الذي يمر فيه الناس فلا تراه إلا هنا ..وأن يختزل الناس مجهودهم في وضع الحصى للمرور من فوق مياه عفنة راكدة غطت كل المكان فليس إلا وجها قبيحاً من أوجه السلبية ..
إن جهود الحكومات في إبعــاد الجمهور عن الحياة السياسية والعمل على إشغالهم في أنفسهم ..والبحث عن كيفية استخراج المصلحة من جاره او رفيقه الذي يجالسه في المقهى ..كل ذلك عاد بالسلب عندما لم تجد هذه الحكومة ما تكبح به هذه المسألة ..ولعلهم لم يعودوا يكترثون بكل هذا فهم هناك في بروجهم العاتية العاجية..يراقبون حلقة المصارعة الحرة التي يقدمها ويلعب أدوارها "الشعب"..
كل هذه الأمور تتمحور حول أن حياتنا كلها انقلبت إلى عشوائية ..حتى امتدت إلى الأماكن التي نعيش فيها..ونأكل بها
أما " الشعبية" التي أنشد عودتها فتتركز في الأماكن القديمة ..تلك الأماكن التي تشم فيها رائحة التاريخ..الأماكن التي تحكي لك جدرانها "حواديت" صبية جمعوا مزيجا من خيوط واسفنج ليصنعوا كرة "بسيطة" تكون شاهدا على المهارة والفن.. وبنات بعثن بدلالهن وروعتهن الروح لهذه الحواري..
أمــا إذا ضاقت بك المدينة كلها بحواريها ..وأزقتها ..وشوارعها..وأردت أن تهرب من دخانها الخانق..
فأنا ادعوك لتشاهد الشعبية على حقيقتها في بلدتي الصغيرة في أقاصي البلاد..لتشاهـد البساطة ..والأناقة..والحياة .......
عندمــا تجلس على تلك "الحصيرة" ليأتي لك المــاء في "كوز صغير" تشاهد إنعكاس السمــاء في جوفه المتلألئ..
بينمــا.. تتجســــــــد " الشعبيــة"!!


انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام