الاثنين، ١٧ ديسمبر ٢٠٠٧

بــــيـــــــــــــن الحـــــــــــــــــب........والواجــــــــــب !!

كم كنت أتمنى ألا يخيب ظن القارئ بعــد أن اجتذبه العنوان ممنياً نفســه بأن يتجول بين شطآن الرومانسية البحتة بقصصها ..وشجونها ومآسيها ..وأفراحها القليلة..
لكن جلسة اليوم - مع ما يحمله من عبق روحي ..وصفاء في النفس -توحي إلى إلى ماهو أرقى من ذلك ..
فهذه الليلة تجتذبني إلى الحديث عن الحب بكل معانيه ..وبشكل أعمق وأدق أكثر من الاكتفاء بالجانب الرومانسي المتعارف بين الناس " الشباب منهم بالأخص"..
ويبدو أن ما دعاني لذلك أنني لاحظت شيئاً لا أبالغ حين أقول أنه قد هزّ كثيراً مما كنت أعتقده ..وهذه الملاحظة ليست خاصة بي فحسب لكنها تمتد لتطال أمــة بأسرها ..وآفتي أني آليت أن أحمل في رحلتي همومها ..ومشاقها ..
وحتى لا يجتذبنا الحديث إلى منحىً آخــر فإن ما لاحظته يتمحور حول كلمات بسيطة ..تحتاج إلى مجلدات لبسطها وتحليلها ..فنحن أعزائي
" جيـــــل لا يعــرف كيف يحب"..!!!
نعــم ..وربما كانت صدمــة العديد في محلها ..فالعادة جرت على أن نغرق مسلسلاتنا وأعمالنا الأدبية والاعلامية وحتى الغنائية بكل معاني الحب والرومانسية ..ولعله ما أدى في بعض الحالات إلى إقحام هذا الأمر في مواضع عديدة لا تستدعي ..ولا تحتمل الموقف..
كل هــذا حتى نقول لأنفسنا -قبل الآخرين- أننا شعب عاطفي ..يبكي عند أصغر حادثة ..ويتأثر بالموقف حتى أنه لا يعرف الفصل بين القرار العقلاني والانفعالي..ونريد دائما إيصال فكرة أن أي منا لا يستطيع التخلي عن " الحب" حتى في أحلك الليالي ..وأصعب المواقف
..وأكثرها جدية .. حتى باتت العاطفة رمزا لزمن ولّى ومضى ..أو مصدرا للتهكم والاشارة إلى الأفلام ..أو بمعنى آخــر" كلام أغاني"
قد يدعي البعض أن في الأمــر مبالغة ..أو قد يتحججون بأن الظروف هي الباعث الأول لهذا الشعور ..!!
وأن الشباب الآن لا يجد الوقت للحب والعاطفــة ..حتى تجاه ثوابت كان الحب الممنوح لها غير مشروط في زمن مضى..
ولكن أي ظروف هذه التي تؤدي بالمرء لأن يكرر علانية أنه يمقت وطنــه..؟؟
أي مصاعب التي تجعله يذكرها بالسوء أينما حلّ ..وحيثما اتجه..؟؟
ليس ذلك إلا نتيجة لأننا لم نعــد نمنح إلا بمقابل ..و انقلبت المادية في حياتنا من مصدر لتحسين أوضاعنا إلى "الوضع" في حد ذاته..والأمل الذي نرتجيه..!
فلم يعد المرء منا يبذل - حتى العاطفة- ما لم يكن ذلك أمام مصلحة مقابلة ..
ويعتقد البعض أنني أتكلم - مثل الحكومة- من برج عال..ولم ألق المصاعب التي من أجلها قد أحكم بجدية عن حال البلد..وأن النشأة خارجها جعلتني لا أدرك مدى الصعوبات التي يلقاها من هم فيها..
ولكن الغريب أن النشأة خارج الحدود لها تبعات أخرى ..وربما كانت أفدح وأقوى ..!!
لكن وراء هذا الشعور التي يتملكني إلى الآن "رجــل" واحد..منذ نعومة الأظافر جبلني على أن "مصــر" لها معانٍ أكبر من مجرد كلمة..
ربما كانت مبالغاته في رسم وردية البلد أدت إلى أن نمى إلى ذهني - وقتها- شعور "جنة الله في أرضه"..وبالتالي كان لابد أن أصدم كلما مررت بالواقع بعد القدوم والاستقرار على أرضها ..
وربما كدت أركن قليلا إلى هذا الشعور ..لولا أن ثبتني الله من عنده..إلى جانب دراستي للظروف التي من أجلها كان يصور لي هذه "الجنة"
وعلمت أن أبي لم يولد وفي فمه ملعقة ذهب..بل على العكس من ذلك ..فبعد أن فقد والده ..كان الخيار التالي منزله ومآواه الأول الذي عرفه ..ومع بيئة جديدة و روح غريبة عليه ...توالت في نفس الآونة على البلاد مشاكل عدة ..وتكالبت عليها الظروف والمحن..
فما كان منه -مع رفاقه- إلا أن ذاد عنها ولم يبخلوا ببذل كل قطرة من دمهم ..وشبابهم الذي يمضي أمامهم ..
وفيما بعد كان أن أعطوها "عرقهم" في سبيل انماء ما سقط أثناء الحروب ..
حتى في رحلتهم ..كانوا يعزون الأمر للظروف السابقة ..ويمنون النفس ليوم العودة ..وفي نفس الوقت توالت المحاولات لاعلاء رمزها في محافل عدة..
كل هــذا صادفني أثناء البحث عن سبب" الحب " الذي يكنّونه ..ومن أجله يبذلون كل شيء..
وللصدمة .!!! لم أجد ما يذكر ..!!
و أبي وغيره كثيرون خرجوا من ديارهم التي تبعد حوالي "الالف ميل" لتشييع "عبدالناصر" إلى مثواه الأخير ..بل إنه دائما ما يذكر حادثة حصلت له إثر التدافع الذي كان وقتها..مع أنه من المفترض أنه كان السبب في تشتيتهم ..وسلب حقوقهم -كما يقول البعض- ..لكنهم كانوا - وما يزالون- يرون فيه رمزا للوطنية ..وللحب .."حب الوطن".
كانوا يرون أن ما أخذه منهم يدخل في نطاق تضحية الجزء من أجل الكل ..وأن الخير إذا طال "الاسم" الذي يناضلون من أجله ..فلا بد وأن يعود عليهم نهايةً ..
"هـذا زمن ولّى ..وراح..!! "
كلمة أسمعها كلما تطرقت إلى مثل هذا الحديث ..
كلمة يرددها أناس يحلفون أنهم في أي لحظة أنهم قد يضعون أيديهم في يد الشيطان إذا وعدهم بتحسين أحوالهم ..
كلمة يقولها من أدعي أنه لا يكن لوالديه أي عاطفة إلا بالقدر الذي يبذلونه من أجله ..فالحياة كلها تتمحور عند هؤلاء في كلمة " أنـــــــا"..

صحيح إنــه زمن ولّى ..
ومع كل تحفظاتي على شخصيات ذلك الزمن العامة ..إلا أنني لا أملك إلا أن أمنحهم تقديري وتحيتي على ما زرعوه في جيل لم يزل حتى في الوقت الراهن -وبعد أن رأى أن تضحياته تنهار وتذهب سدى- " يحب مصر" ..تحيـــةً خالصــــةً لهـــــــم ..!

و "حجـّــــــــا مبرورا أيهـــا الرجل العظـــيم"



ليست هناك تعليقات:

انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام