السبت، ٨ ديسمبر ٢٠٠٧

عنــــدمـــا كانــت شعبــيــــة ..!!

كثيرا ما يسألني البعض عن سر تمسكي بكلمة " شعبية" في كتاباتي ..بل واصراري على ان تكون جزءا من عنوان المدونة ..في حين أنهم يرونني أتأفف عند نزولي بأحد الأماكن التي تنتسب إليها ..!!!
وهنا لنا وقفة مطولة ..!!
فالمناطق التي يشيرون لها -من حيث امتعاضي ونفوري- أدّعي أنها لم تعد تملك من " الشعبية " إلا اسمها ..
إنك ما إن تلج إلى أحدها حتى تقابلك روائح لا تستطيع تفاديها ..ربما لأنها تنبعث من المكباّت التي تحاول تفاديها وأنت تتجاوز هذا ..وتعتذر لهذا- الذي ينظر إليك شزراً- قبل أن يناولك لكمة في أم عينك..وأخرى تنتظرك أن تتجاوز الحصوات الملقاة فوق "بركــة" المجاري لتعبر وراءك..!!!!
ليست هذه "الشعبية" التي عنيت عندما شرعت في الكتابة..
حين أتذكر ما كان يُقصّ عليّ عندما كنت أصغر سنّا.. لم تكن تلك الحوادث تخترق القصة ..لم تكن" القمامة" تحتل هذا الجزء الكبير من حياتهم في ذلك الوقت ..!ربما لذلك نجد أن معظم الأماكن الشعبية القديمة لا زالت تحتفظ برونقها ..وحلاوتها..وطعم بيوتها..!!
هناك فرق كبير بين " الشعبية" التي أكتب من أجلها ..والتي أدافع عن أهلها ..وبين هذه" العشوائية" التي انتشلت كل معالم الجمال من مدننا والتي لن ينصلح حالها ..مهما توالت حكومات ..وتعاقبت بلديات ..لأن أساسها التخبط والاهدار و"اللانظام"..
عندما أتى انقلاب 52 العسكري ..تبدلت كثير من معالم الحياة في البلد ..وبعيدا عن الحركة السياسة شهدت الحياة الاجتماعية نشاطا وتقلبات سريعة ..لم تستوعبها البدائل المطروحة ..فبدلاً من أن ينعم الشعب - كما كانت الوعود القائمة - بالرخاء والنعيم ..تحولت الحالة تدريجيا إلى المركزية ..وأصبحت مصر كلها تنصب في العاصمة .. مما أثر على التوزيع السكاني والتكدّس ..واختفت الثقافة المدنية بأن وفدت عليها حياة جديدة لاهي ريفية قحّة..ولا تمت للمدينة بأي صورة ..
لست هنا بصدد تحليل الوضع اجتماعياً لكن لا بد من معرفة أسباب التحول من "الشعبية" التي كانت تتميز بها بلادنا ..والعشوائية التي أصبحت سمتها الأساسية الآن..
إن الفقر ليس عيبا..فعلاً كما يقولون في المسلسلات والأفلام ..لكن العيب كل العيب في قلة الترتيب النظافة المتفشية في ما حولنا ..الطامة الأكبر في أننا نتعايش في وضع أقل من تتحمله مخلوقات أدنى منّا رتبة ..الأزمة في أن السلبية امتدت إلى تكيفنا مع "العشوائية".
في بلاد كثيرة -عالم ثالث أيضا- تتحول المساحات الخالية إلى ملاعب يهدر فيها الشباب طاقاتهم بدلا من الاعتماد على إفراغها في أمورأخرى لاتحمد عاقبتها ..أو قد تتحول هذه الأماكن إلى ملتقى لأهالي "الحارة" ..أو أضعف الإيمان تترك خاوية إلى أن ينظر صاحبها ماالذي ينوي فعله بها .. أما أن تتحول إلى مكب للنفايات في قلب أعماق الشارع الذي يمر فيه الناس فلا تراه إلا هنا ..وأن يختزل الناس مجهودهم في وضع الحصى للمرور من فوق مياه عفنة راكدة غطت كل المكان فليس إلا وجها قبيحاً من أوجه السلبية ..
إن جهود الحكومات في إبعــاد الجمهور عن الحياة السياسية والعمل على إشغالهم في أنفسهم ..والبحث عن كيفية استخراج المصلحة من جاره او رفيقه الذي يجالسه في المقهى ..كل ذلك عاد بالسلب عندما لم تجد هذه الحكومة ما تكبح به هذه المسألة ..ولعلهم لم يعودوا يكترثون بكل هذا فهم هناك في بروجهم العاتية العاجية..يراقبون حلقة المصارعة الحرة التي يقدمها ويلعب أدوارها "الشعب"..
كل هذه الأمور تتمحور حول أن حياتنا كلها انقلبت إلى عشوائية ..حتى امتدت إلى الأماكن التي نعيش فيها..ونأكل بها
أما " الشعبية" التي أنشد عودتها فتتركز في الأماكن القديمة ..تلك الأماكن التي تشم فيها رائحة التاريخ..الأماكن التي تحكي لك جدرانها "حواديت" صبية جمعوا مزيجا من خيوط واسفنج ليصنعوا كرة "بسيطة" تكون شاهدا على المهارة والفن.. وبنات بعثن بدلالهن وروعتهن الروح لهذه الحواري..
أمــا إذا ضاقت بك المدينة كلها بحواريها ..وأزقتها ..وشوارعها..وأردت أن تهرب من دخانها الخانق..
فأنا ادعوك لتشاهد الشعبية على حقيقتها في بلدتي الصغيرة في أقاصي البلاد..لتشاهـد البساطة ..والأناقة..والحياة .......
عندمــا تجلس على تلك "الحصيرة" ليأتي لك المــاء في "كوز صغير" تشاهد إنعكاس السمــاء في جوفه المتلألئ..
بينمــا.. تتجســــــــد " الشعبيــة"!!


ليست هناك تعليقات:

انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام