الجمعة، ٢٣ نوفمبر ٢٠٠٧

لمـــــــــاذا ...تصلي !!؟؟؟

كــان الدين فيما مضى يحتل موقعا ثقافيا وتربوياً جميلا ومساهما فعالاً في التكوين الشعبي -والرسمي- لهذا البلد..حيث كــان الالتزام الديني -في تلك الآونة- مبعثا للتوقير والاحترام المتبادل بين "الشيخ" وبين جيرانه والمحيطين به في مجال عمله بل وحتى أثناء تجوله في أرجاء المحروسة كانت تحيط به هالة الوقار والاحترام التي يخنع أمامها أعتى القساة والمجرمين ..فحتى هــذا "ذو السلوك الشائن" لديه اعتراف ضمني بالصلة التي تربط هــذا الشيخ " الملتزم" بربه ..وذلك ما يمثل خطّاً أحمراً لا يجوز الدنّو قريبا منه..نتذكر هذه القصص التي لم يعاصر الكثير منا إيّــاها إلا في ما يُروى ويُسترحم عليها من قِبل من عاصروها ..نتذكر هذا ونحن ننظر حولنا لنرى ما آلت إليه أحوالنا ..وكيف كان تقهقر الفكر الديني من العوامل التي أدت إلى انهيار قيمنا وثقافتنا وأحوالنا العــامة ..نحن لا ندعي أن الأيام الخوالي كانت جميعها صفحات بيضاء ..ولا نطلب أن تصبح أيامنا هذه كأيام الهجرة ..فعديد المتغيرات النفسية والعقلية لا بد أن ترمي بثقلها على عاتق الزمن ..وبالتالي تصبح الرغبة في الحصول على مجتمع يماثل الأجيال الأولى من الرسالة ضربا من المستحيل ..والجنون..كما أنه يجب علينا ألا نغفل أن لمصر طبيعتها الخاصة وهو ما لا يحب العديد من أصحاب التوجهات الحديثة -دينياً - الاعتراف به..فنحن -شئنا أم أبينا-دولة كانت وستزال تعيش وسط مختلف الاتجاهات الفكرية والدينية التي لا بد أن تتوافق فيما بينها للوصول إلى الغاية من صلاح الحال الدنيوي الذي يجمعها في بوتقة واحدة .. ولكن لنركن إلى كرسيّنا قليلا لنسترجع الأسباب التي أدت إلى هذا الانشقاق حتى فيما بين أصحاب التوجه الديني الواحد - كما كان يفترض بهم أن يكونوا-وكيف أصبحوا يقذفون بعضهم البعض بالتهم التي قد تصل في بعض أحيانها إلى الإدعاء بأنه لاينفذ تعاليم دينه كما ينبغي..
تكمن المشكلة-في اعتقادي - عندما تغير الخطاب الديني عمّا كان عليه ..ولست هنا لكي أعيد كلمات قتلت بحثا فيما سبق عن تحديث الخطاب الديني..بل نحن هنا لتبيان أن المضمون في حد ذاته أصبح يختلف كليا عمّا كان مألوفا ..فمن المعروف أن الخطاب الديني قديما كان يمس جوهر الناس ويبعث على بث روح الطمأنينة الممزوجة بخشية الله في الأفعال كلها ..وهو ما يحقق المعادلة الصعبة السهلة في " التوسط" الذي جاءت به التعاليم الدينية ..ويأتي الاختلاف إذ نظرنا إلى الخطاب الديني الحديث والذي يركز في معظم أركانه على الناحية الشكلية فقط..مغفلاً الجانب الروحي إلا نادرا " لحفظ ماء الوجه" أو تعودا على ذكرها ..دون التطرق إلى كون هذه المفاهيم هي ما تنشئ مجتمعا نظيفا ..قد فهم ووعى المضمون الذي بنيت عليه شريعته ..وهو ما يختلف عما كان عليه سابقا ..وهذا دليل على أن نجاح هذه الأفكار في مكان ما ليس دليلا على نجاحها في آخر..وحتى لا يتهمني " أحد بالتجني ولأنني أحب دائما أن تكون أوراقي التي أستند إليها هي صفحات أروقة الشارع والمجتمع"..فليس شك أن نظرة خاطفة إلى اختلاف النظرة المجتمعية لرجل الدين
أثرها في التكوين الشخصي لهذا المجتمع ..وأصبح الهاجس الذي يصاحب مرافقة الشيخ هو ما يحل محل التوقير والهيبة الذين كانا عنوانا لمشايخ زمن فائت ...وإذا نحينا جانبا سببي تدنّي المستوى الثقافي والاجتماعي العام ..وكذلك إسهام الأعمال الفنية في النظرة العامة تلك ...فلا يجب علينا ان نغفل أن هناك دور لأصحاب القضية في ذلك ..وليس ما عاناه الناس من أعمال التخريب منذ وقت ليس ببعيد إلا من هذه الأسباب..وأيضا ذلك الإحساس الشعبي بأن الفجوة قد اتسعت إلى مدىً لا يمكن تداركه ..حيث يصل إليهم -وربما عن دون قصد- ان هناك حد فاصل يشبه مقولة الحكومة الأمريكية " من ليس معنا فهو ضدنا" ..واختفت تلك البسمة التي كانت تقرّب توصيل المفاهيم الدينية إلى مدارك العامل البسيط ..والموظف الذي لا يجد متسعا للبحث في أمهات كتب السنة..والطالب الغافل الذي ينتظر أن تنتشله نظرة حانية من غياهب التخبط بين مرافىء شتى..أصبح لا يصل إلى بال هؤلاء -والذين أمثلهم متحدثا- إلا أن هذا الشيخ لن يطلب مني سوى أن أطلق لحيتي ..وأقصر ثوبي وأن ألتزم بأداء فرائضى في أوقاتها وإلا.............................و"إلا" هذه مربط الفرس..فقبل " إلا "يجب أن يعرف المتلقي لماذا يؤدي هذه الفرائض..لست أعترض هنا على من يلتزمون ويدعون إلى هدي المصطفى "صلى الله عليه وسلم" ..لكنني أدّعي أن ما يهمني شخصيا أن يدرك الشخص لم عليه أن يكون ملتزما وليس أن يريني هذا الالتزام..فعندما تصل أهمية ما يقوم به إلى روحه ستظهر أبعادها وآثارها على مظهره الخارجي ..عندها سيقوم باتباع السنة عن وعي وفهم..وليس العكس..عندما يدرك الفتى لماذا يصدق في قوله.؟ لن ينحدر به الحال حتى يصل إلى المخدرات..عندما يدرك الموظف لماذا يصلي..؟؟عندما يدرك أن الصلاة ليست فقط مجموعة حركات تؤدى في وقتها..وعلامة في منتصف الرأس ..عندها فقط لن تصل يداه إلى ما حرّم ربه..عندها يصل إلى مرحلة اليقين ..عندما تكون لغتنا روح الدين ..سترتقي آداب الحوار فيما بيننا..ربما يغضب البعض من هذه الكلمات ..وربما يغضبون أكثر عندما أقول أنني لا

يهمني أن تصلي.. بقدرهمّي أن تعلم لماذا تصلي ..فالعادة قد تنقضي يوما ما ..لكن العبادة خالدة بخلود الايمان

ليست هناك تعليقات:

انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام