الأحد، ١٨ نوفمبر ٢٠٠٧

الكــــــــــرَة ...والهـــويـة

لم أكن لأتوقع أن تتطلب مني فترة العودة من جديد كل هذا ..فبعــد عديد الاخفاقات الشخصية والاحباطات المتتالية تكللت " بحمد الله" بخســارة العرس الافريقي وما تخلله من ظروف وأحداث لم تكن - من وجهة نظري - لتفيد النادي بأي حال من الأحوال ..لأن لدي إعتقاد راسخ منذ الطفولة أن الفرحة هي فرحة الحدث ..والاحتفال اذا لم يكن في وقته فلا طائل له..ولكــن ..لم أورد هــذه الأحــداث لذكر سبب الابتعاد فقط ..ولا طلبا لمشاركة وجدانية ..فأولا لم يسألني أحد تبريرا لابتعادي..كما أنني أعلم أن كل من تمر هذه الكلمات أمام عينيه له من المصاعب حظ ليس باليسير..بل لأن هناك كما قلت مواقفا تخللت الحدث ..وأمــورا بينت أن كــرة القـدم مـرآة لنا ..ولحيــــاتنا..
استوقفني تساؤل ورد في أحد البرامج التحليلية لكرة القدم سأله الناقد المعروف "حسن المستكاوي"لأحد ضيوفه : ما نوع الكرة التي نلعبها ..أهي لاتينية مهارية ..أم أووربية خططية ..؟؟!!وهنا رد الضيف :حتى وقت قريب -منتصف الثمانينيات- كنا نلعب كرة مهارية لاتينية ..أما الآن فلا أستطيع ان أتبين حقيقة نوعية الكرة التي نلعبها."..وهنا لا بد أن يتبادر إلى الذهن سؤال يتكرر كلما مر بك حوار كهذا : أهي حال كرة القـدم فقط ...!! هل هي حالة اجتماعية انتقلت عدواها إلى الملاعب الخضراء وكواليسها ..؟؟ أم أننا شعب يعشق كرة القدم إلى درجة أننا نتأثر اجتماعيا بما يطرأ عليه من تغيّر
حقيقةً إنني هنا أقدم اعترافا بانني كنت ضمن المشتركين في "موضة " العولمة ..بل كنت من أكثر القائلين بأن الثقافة القوية والهوية المترابطة لا تتأثر بمثل هذه الأحداث ..وغفل عن فكري دراسة الشخصية المصرية
تلك التي أضنت فكر ومجهود علامة مثل "جمال حمدان "..ظننت أنني أستطيع أن أختزل كل المعلومات عنها في عدة أبحاث صغيرة متفرقة ..ونسيت أن الأوراق لا تصلح في مثل هذه الأمور إلا لنيل درجة علمية أو لملء بعض صفحات خالية لجريدة قومية عريقة ..إن جولة صغيرة في أروقة الشارع المصري العتيقة تحدثك جدرانها بأنها تقبّلت وتقلّبت في كل أشكال وألوان الحياة الجديدة التي تهل إليها من كافة بقاع الأرض ..فمن فراعينها العظمــاء.. لهكسوسها الغازين ..مرورا بقبطها القاطنين ..وعربها الفاتحين ..بما في ذلك من دول عثمانية وفاطمية ..وملكية وجمهورية ...ولا ننسى الأثر الكبير والجليّ في ما خلفته آثار الأقدام الفرنسية والانجليزية في هذه البقعة من الأرض..وهنا أقــدم نصيحة لكل من قد "تسوّل" له نفسه أن يبحث في سبر أغوار هذه العقلية .."أن يُلــمّ بكافة جوانب هذه الأحداث قبل الشروع في ذلك " ولكن إذا كان لابد ..فلنقم بدراسة سطحية بسيطة وسريعة ..ولنقلب صفحات التاريخ لنرى "كيف استطاعت مصر أن تتقبل كل هذه التقلبات في الحكم ..وأن تحتضنها ..تاركة لها المجال لتضع بصمتها ..ومن ثم تستبدلها بوضع آخر وثقافة أخرى مغايرة" ..وهنا سوف تتجلّى لك الشخصية المصرية بدهاليزها وأعماقها ..فهــذا الشعب هو من نوع نادر جدا بل هو الوحيد
الفريد من نوعه - وربما كان ذلك ما أغرى كل هؤلاء بالقدوم ومحاولة السيطرة عليه- ..وهذه النوعية أطلق عليها في جلساتي وأحاديثي " الناقم المطواع " فهو على طول الخط ناقم على ما حوله " ظروفه -أقداره- عمله-أسرته- حكومته- مجتمعه" إلا أنه يكون "مطواعا" لأي شكل من أشكال الحكم الذي يقع تحت سيطرته ..ربما يكون في الموضوع بعض التعقيد ..لكن بالنظر بتمعن نجد أن هذه الشخصية لا تستطيع أن تحيا بدون انتقاد..هو انتقادي بطبعه ..لكنه مسالم أمام السيطرة الأعلى منه منفذا للأوامر بحذافيرها ..لا يحيد عن الخط الذي يُرسم له..تعود أن يجد من يقوده ..من يعمل له ..من يفكر من أجله ..وما عليه إلا أن ينتقد هذا الآخر..لكنه أبداً لا يحيد عن الهوية التي يريده الحاكم وشراذمه أن يكون عليها ..ومن هنــا تبينت خطأي الشخصي -كما ذكرت آنفا- في عدم اعتراضي على مفهوم العولمة لرؤيتي-حينها - أنها سبيل جيد لعدم التقوقع ..وللتجول بين ثقافات ورؤى أخرى جديدة ..ومفيدة..وليتني بذلت جهدي للتصدي لتلك العولمة ..ليت العديد منّا استمع الى الأصوات التي درست نوعية العقلية التي حوله..فبدلا من أن تذوب تحت إمــرة سلطة جديدة ..تركنا المجال لأكثر من ثقافة ..فباتت تائهة ..هائمة..لا لون فيها ولا رائحة ..ولم يكــن ذلك بفعــل فاعــل ..بل لغيـاب الفاعـــل

لقد ساهمت مع العديد من المطلعين ليس في تهميش هــوية الشخصية المصرية ..أو طمس معالمها ..ولكننا ساهمنا في

توضيح أنها فقــدت التبعية ..وبات عليها أن تبحث وتناضل من أجل أن تجد لنفسها مكانا في ما يسمى "صراع الحضارات" "أو صراع الثقافات" أو أي صراع..المهم أنه أصبح من الضروري أن تصارع..أصبح على هــذه الهويـــة أن توجــد لنفسها "هـــوية"...لا أن يصنعها لها أحــد

ليست هناك تعليقات:

انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام