الجمعة، ٢٣ مارس ٢٠١٢

بيـن التطبيـق .. والتطبيـل !

مرت الفترة الماضية - حتى بدء الاسبوع المنصرم - بذلك الهدوء المشوب بالحذر على صعيد الشارع المصري ، ولم تكن المواضيع المطروحة تحمل نفس الطابع الساخن المعتاد منذ قيام الثورة ، وبدا ذلك واضحاً على البرامج الحوارية التي باتت مؤخراً " ترمومتراً" نستطيع من خلاله قياس نبض وسخونة الأجواء المحيطة بنا حتى وإن كنا بعيدين عن مسرح الأحداث ومطبخه .
إلا أنه مع بداية الأسبوع تقريباً شهدت الساحة أكثر من حدث متسارع وذو طابع حيوي شغل وأشغل الرأي العام ليس فقط بالحدث نفسه ، وإنما ما تخلله من ردود أفعل كان تأثيرها هو السبب الرئيس للرغبة في اللجوء إلى بعض من التأمل على هذا الكرسي برويّة ..
فكما هي عادتي ألا أتحدث عن حدث بعينه معلقاً عليه أو منتقداً إياه هنا ، وإنما تكون الجلسة لتحليل الجوانب المتعلقة والتي ارتبطت بهذا الحدث من ناحية مجتمعية وفكر عام لا يبرز إلا في مثل هذه المواقف ، ولعلي أكون أكثر وضوحاً حين أشير إلى الجدل الذي صاحب رحيل البابا شنودة بطريرك الأقباط " أو عظيم القبط " كما نستطيع أن نطلق عليه ، ولا أستطيع عند تطرقي هنا لهذا الحدث أن أخفي تحفظي على بعض مواقف البابا وخاصة في الآونة الأخيرة خاصة بعدما عمد البعض إلى الباسه ثوب البطولة على طول الخط ، والذي أخشى أن نتعدى به خط المجاملة لنرتدي على إثره ثوب "النفاق " الاجتماعي والذي أصبح سمة من سماتنا في العصر الحالي .
أردت فقط أن أوضح هذه النقطة قبل أن أشرع في توضيح الفرق بين رفض وضع الهالة الزائدة على الشخصيات العامة ونسب ما ليس لهم إلى أفعالهم وبين أن ننحي جانباً ذلك الشعور الانساني بجلال الموت وقوة وعظمة الموقف في حد ذاته والذي لم يرد في جميع الأديان من استهتر به كما نراه الآن .. ربما نلتمس العذر أحياناً لبعض التصرفات الهوجاء والغريبة على مجتمعنا المعروف بأنه مسالم بأن نضع في حسباننا أن هذا نتاج فترة تردت فيه معاني القيم إلى أدنى مستوياتها ،ومن هذا المنطلق فإني قد أسامحك على كل ما يبدر منك من نوازع نفسية تجاهي أو تجاه الآخرين مع الوضع في الحسبان كافة الظروف التي أدت إلى انحدار هذه النفس إلى هذا الحضيض ، لكننا أبداً لن نستطيع السكوت عن إلباس هذه التصرفات وشاح الدين وإيهام الناس بأن ذلك من عماده وإلا كنا مثل أولئك الذين كلما سئلوا عن اخطاء اقترفوها قالوا إن الله أمرنا بها! خاصة وأن ذلك قد يبدو معقولاً في منهج أناس تعتمد عقيدتهم في الأساس على السب واللعن " كالشيعة " ولكن كيف لنا أن نحاول أن نرسي لدى العالم الصورة الحقيقية لديننا الحنيف الذي يقوم على السماحة والانسانية ومن ثم لا ينعكس ذلك على تصرفنا ويصبح كأنما هو موضوع تعبير في حصة اللغة العربية لا طائل من وراءه سوى الحصول على بضع درجات . خاصة بعد أن تعمدنا ان نرتدي تلك الأقنعة الكاريكاتورية "الهوليودية" للشخصية المسلمة المقطبة الحاجبين والتي لاتكترث إلا بمزيد من الدماء تشربها نخبـاً لانتصار زائف .
إن هذه الصورة تتمثل أمامي كلما قرأت تعليقاً مريضاً كالذي كان منذ قليل من بعض الحمقى على موضوع آخر بخصوص صبي صغير قتل في أحداث بورسعيد ومحاولات اقتحام قناة السويس فمهما كان ذلك الصبي مخطئاً فإن نبرة التشفي والغل التي داخلنا لا ينبغي أبداً أن نرى صاحبها فيما بعد يتكلم عن رغبته في ارساء دعائم الحكم الاسلامي والخلافة القائمة على أطر التسامح والشفقة على الضعيف وتلك المثل الأفلاطونية التي لا يمكن حدوثها إلا في خيالهم ، ذلك الخيال الذي يصور لهم أيضاً الحل في قدوم أناس بزي معين وهيئة معينة وأسلوب كلام معين يهيء للرائي أنهم الأجدر بتطبيق الدولة الاسلامية الحقة .. ولا أعلم أي دولة تلك التي تقوم على الحقد والبغضاء وما تخفي نفوسهم أكبر !
إن دولة الاسلام الحقيقية لا تتحقق باللحى والمشاهد فقط ، ولا تتحقق بأن تكون غايتنا فقط تطبيق الحدود حتى نسعد برؤية المئات وقد قطعت أيديهم وآخرون قد صلبوا وغيرهم بين مجلود ومسجون .. ولعلي أتصف ببعض الجنون كلما تذكرت أن بعضاً ممن نطلق عليهم لفظ " البلطجية " -فقط لكونهم من رقيقي الحال- لديه من " المجدعة " كما نطلق عليها .. مالا تجده لدى غيره من " البهوات " الذين لم يكن من سرق قوت الشعب وأذله طوال الفترة الماضية إلا من طبقتهم ومن بينهم ، ولهذا لم تنظر دعوة الاسلام إلى "بلال" كما ينظر إليه السادة وأصحاب الكلمة العليا وإنما كانت كلمة الفصل أن انتظروا حتى تتسـاوى مواضعكم فانظروا ما يفعل كل منكم ليظهر معدنه .. وهذا ما كان .!
فلعل هؤلاء الذين يطلقون الأحكام على الأمور ويقذفون كل من يخالفهم بأنه فاسق وزنديق لو درسوا تاريخ صاحب الدعوة بحق لعرفوا أنه لم يطبق هذه الحدود إلا في أضيق حد والأهم من ذلك هو أنه متى قام بتطبيقها ..!؟
بعد أن استتب الوضع لأهل أمته و" آخى " بين أبناءها بأن جعل لكل منهم أخا له لم تلده أمه ، ولعل من الطريف أن نرى في السيرة خلافاً على معرفة من الذي آخى النبي صلوات الله وسلامه عليه بينه وبين فلان لأنه كان أقرب لغيره وأكثر ألفة معه ،ولم يكن الشريف بمنأى عن الوقوع تحت حد القصاص لجاه أو منصب ولم يكن الضعيف يؤخذ بملبس أو هيئة دون دليل ولا لأنه من قوم بينهم وبين الحاكم ضغينة أو عداوة وكأني ألمح صورة الإمام علي كرم الله وجهه وهو يرفض قتل غريمه بعد أن تمكن منه في اللحظات الأخيرة لا لشيء سوى أن ذلك الكافر قد بصق على وجهه الكريم ، فأعرض علي عنه ولما سئل عن ذلك قال " لقد أحسست في نفسي غضبة من عمله وما كنت ضارباً سيفاً في غضبة ليست لله"
فوضحت عندها الصورة أن الذي شرع الحدود لم تكن بغرض الانتقام والتشفي كما هو حالنا وإنما كان المرحلة الأخيرة لتسوية الأوضاع بعد أن استتب الوضع الاجتماعي بين أنـاس قال الله فيهم .. " رحمـاء بينهم " !

ليست هناك تعليقات:

انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام