السبت، ١٧ مارس ٢٠١٢

عاد إليـكم من جـديـد .. !!

وها انا أحط الرحال مرة أخرى على هذا الكرسي بعد غياب دام قرابة العام للاسترخاء وإعادة التفكير في بعض الأمور - كما هي عادتي - بنظرة متأنية . وقد يكون الاختلاف بين التواجد هنا وبين التنقل من هنا إلى هناك أني أجد في الكرسي جانباً من المتنفس بعيداً عن الشعارات النارية والمانشيتات المشتعلة " بالوثـائق وبالمستندات" والتي تشعرك بأن ما ينقص الجرائد أن توزع أعدادها القادمة مع اسطوانة موسيقى "رأفت الهجان " حتى تدخلك اكثر في جو الإثارة المرجوة والتي لا أظن أنها تحتاج إلى مزيد من المؤثرات في الوقت الحالي بالذات .
في الواقع إن معرفة الحقيقة أمر جيد ومطلوب لوضع الأمور في نصابها .. لكننا يجب ألا نغفل عن أن طباعنا تتسلط على الأشياء من حولنا ولا تتركها إلا بعد أن تكسبها ذلك اللون القاتم ومن ثم تنتقل إلى غيرها بحجة أنها باتت لا تصلح متناسين أن هلاكها وعطبها لم يكن إلا بأيدينا نحن ، وهذا ما حدث بالضبط مع " الثـورة " .!!
فقد تحامل على الثورة الكثير من المنتفعين أو العاطفيين الذي لا يقيمون الأمور بمفهوم اجتماعي موزون يصب في مصلحة قومية مشتركة وإنما يحصلون على منفعة شخصية وقتية ، لكن خطر هؤلاء - في نظري- لم يكن أقوى وأخطر على الثورة من خطر ثقافتنا التي طبعناها عليها ، فمن المعروف أن كل فكر وثورة جديدة لا بد ان تقوم بتغيير المفاهيم السائدة في المجتمع وتقوم بالانقلاب عليها ووضع أسس صحيحة وملموسة . إلا أن ثقافاتنا المتوارثة والتي ترسخت على أيدي الأنظمة السابقة أصبحت كأنها جزء من كينونتنا وباتت هي من تقود الثـورة ..لا العكس !!
ويتجلى ذلك في أصعب هذه الموروثات تأثيراً على نمط حياتنا .. " التطرف "!
فنحن شعب - كمعظم شعوب البحر المتوسط - عاطفي للغاية لا نرضى بالاسلوب العملي والمنطقي على طول الخط وإنما نأخذ منه جزء بسيط ومن ثم نبدأ بتشكيل وعينا مرتبطين بالمشاعر والأحاسيس تجاه الشيء حتى ينتج عن تفاقم هذه الأفكار المتشبعة بالعاطفة نوع يصعب تغييره من التطرف وهو الأخطر نوعاً كونه ارتبط بـ" اللامنطق" وهو ما يفسر لك الجواب السريع عند سؤالك عن سبب لأي مما يعترض منطقك وتراه متمثلاً امامك بإنه .. " هـو كده " !!
وهو الرد الذي يستطيع به صاحبه تفسير سلوك ينجم عن سيطرة العاطفة على تصرفاته .
ويعود السؤال عن دخل كل هذا الكلام المتشابك بموضوع الثورة .!؟

فأعتقد أن الإجابة لا تحتاج سوى لتنقل البصر بين مايحدث حولك لتجد الاجابة الشافية على كل ذلك .. فمنذ سقوط رؤوس النظام في فبراير 2011 وحتى الآن لم ترقَ أي من تطلعات غالبية الشعب - وما أبرئ نفسي - إلى مرحلة الرؤية الموضوعية للأزمات والبحث عن حلول منطقية تخضع لمعايير وأسانيد تمكنا من تنفيذها ولو على مراحل ، فابتداء بالقائمين على إدارة البلاد المؤقتة ظل العمل الخاص بمصالح المواطن خفيّة وطي الكتمان وتقع ضمن إطار "أسرار الدولة العليا" بما يبعث كثيراً من علامات التعجب والاستفهام لكونه أحد أشكال التطرف الذي نحكي عنه .. وربما كانت زيادة الأزمة باعتقادهم بأن الحل في مساندة الطرف الوحيد الجاهز للاستفادة من نتائج هذه الثورة والتعامل مع الشعب بنفس المنطق القديم بتهميشه عن مسرح الأحداث ..!!؟
مما يضعهم - اولئك القائمون - إما في خانة المتواطئ بتعاطفه مع ما تبقى من أشكال الفساد ومن يرتع فيه . أو في خانة الفاشل في حل الأزمات مع علمهم أن الشعب ليس في حاجة إلى أكثر من وضع أطر وقواعد - ولو احتاجت أزماناً للتنفيذ- حتى يرى النهج الذي عليه السير فيه ...ليس أكثر !

وبمرورنا بعد ذلك على أحد أهم أطراف القضية وهم أصحاب الحاجات " المركونة " على الرفوف لعشرات السنين نجد ان كل منهم قد شرع حال وقوع النظام إلى تقمص دور التاجر المفلس للبحث في أوراقهم التي تمكنهم من نيل أكبر قدر من الاستفادة في هذا الوقت . ولعلي لست الوحيد من وصل إليه ذلك الشعور الذي ينتاب بعضهم من أن ما يحدث حوله ربما لا يعدو أن يكون سوى مسألة مؤقتة وسرعان ما يعود الحال لسابقه.. وذلك الشعور ناجم عن ثقافة متطرفة في فقدان الثقة بالنفس واللهفة على الحصول على اكبر " حتة لحمة " قبل اغلاق السوق والتبرعات .

وثالث الأطراف التي تشكل جزءاً كبيراً من القضية هم أصحاب المبادئ والحراك منذ بداياته وهم الذين رفضوا الخنوع لذلك التسلط والجبروت ومساواة الفاسد لنفسه بالخالق الذي يوزع الأرزاق بين الناس .
وهؤلاء الثوار " على اختلاف مناهجهم الخاصة " كانوا دائما ما يرون بصيص نور الحق الذي لم يلحظه غيرهم لانشغاله بأمور الجري وراء حاجياته اليومية وعندما انبثق بقدرة الله من خلف جدران الظلم التي هوت وتداعت كان التسرع الوحيد هو ذلك الركض نحوها بشكل لم تتحمله الأعين ولكن روح الصمود داخلهم كانوا يرون أنها الباعث لهم على اكمال التقدم السريع وإن لاحظوا أنهم كان يجب أن يأخذوا الأمر بالتدرج .. وسرعان ما ضعفت أعينهم عن التحمل وحدث التخبط بينهم وبين بعضهم كذا مع غيرهم من الأطراف ولعلهم لو صبروا وأعادوا حساباتهم لما كانوا الفصيل الوحيد الذي لم يحصل على شيء من نتاج عمله بل على العكس باتوا مرمى السهام كما حدث مع "رماة يوم أحـد" .
وبالحديث عن يوم أحد يسوقنا الحديث عن أن من مواقفنا المتطرفة أن نعمد على اقصاء كل من مر من أمام مقرات الفساد وإن تيقنّا من أنه لم يكن سيفاً من سيوفه وإنما كان يرغب في أن يواصل حياته متماشياً مع الضعف الانساني الذي هو سمة الطبقة العامة التي تجاري الأقوى غالباً..
ولعلنا نعلم جميعاً أن الذي التف على جيوش المسلمين يوم أحد هو ذاته صاحب المعارك الذي لم يهزم في احداها . وفتوحات الشام وفارس أكبر شاهد على ذلك . لذا فإن التطرف الأكبر هو عدم الاستفادة من القدرات التي لا تحب الفساد وسد الطرق في وجوههم بحيث لا يتبقى من وسائل العيش سوى الاعتماد على سلوك طريق الافسـاد ربما رداً على هؤلاء وانتقاماً من وقوفهم في وجهه .

الخلاصة أننا نحن شعب متميز .. حتى في انطباعه عن الأشياء . بعضنا يحب ويكره لكنه لا يكلف نفسه بالبحث عن الحقيقة .. والبعض الآخر يعمد إلى إظهار كافة الحقائق دفعة واحدة لا بقصد الحل وإنما للرد على توجهات الآخرين والنيل منهم . وتستمر الدائرة بهذا العداء المستمر والرد المتوالي دون أن نجد حلاً متوازناً . فلا الفسـاد سينتهي ولا الحق سيزول لكن الأمور يجب أن تبنى على منطق واضح ورؤى متناسقة فيكون نتاجها كذلك.
كما الحال في الجذور والأغصان . وإلا فإن كل تطرف لا يكون ناتجه إلا كما في قوانين نيوتن عندها تجدون تطرفاً مساوياً له في المقدار ومعاكساً في الاتجاه .. عاد إليكم من جديد !

ليست هناك تعليقات:

انتهيــت من القـــراءة ..استمع الآن !


بطـــل الحــــرب ...والســـــلام